هناك شبه اجماع بين الذين اقتربوا من دولة مضر بدران وعملوا معه على جديته المميزة في العمل واخلاصه واستعداده لاتخاذ القرار فور اقتناعه. فلم تكن مصادفة ان تحمل مذكراته مفردة "القرار" عنواناً لها.
شخصياً شاركت الكثيرين الشعور بالمهابة التي كانت له في نفوس العاملين في الدولة. ومن بين اسبابها خلفيته العسكرية وقيادته لدائرة المخابرات العامة. ولم ينس الاردنيون له قيامه بأول عملية اجتثاث للفساد أدت لتطهير دائرة ضريبة الدخل في العام 1978.
غطت مذكرات دولته فترة مهمة من تاريخ الاردن السياسي والاقتصادي باحداثها المهمة والمثيرة منذ مطلع سبعينات القرن الماضي وحتى مطلع التسعينات منه. ووجدت في هذه العجالة ان اشير فقط الى ما اجتهدت في استخلاصه من ابرز المؤشرات والدلالات الاساسية حول اتجاهات ومضامين خط سير الدولة الاردنية فيما يتعلق بالصعد السياسية والاقتصادية منذ العام 1971.
أبدأ اولاً فيما لا يختلف عليه اثنان من ان الاردن قد ولد في رحم الازمات السياسية والاقتصادية التي رافقته ولا تزال، وقادت بدورها إلى ازمة مصاحبة في صناعة القرار الذي يصبح صعباً وحساساً حين يؤخذ في ظل ازمتين سياسية واقتصادية، خاصة وان الناس لم يكونوا شركاء في القرار ليس لغفلة من السلطات فحسب بل وبنفس القدر لمحيط الجوار. فلا السياسات الاسرائيلية ولا بعض السياسات العربية كانت تريد للاردن الصمود والاستمرار.
ثانياً ، إن الإدارة السياسية لم يكن في واردها بعد عقد الخمسينات إدارة الشأن السياسي بمشاركة شعبية متدرجة لتكريس نهج ديمقراطي متصاعد. اذ لم تفارقها صدمة الخمسينات التي بقيت ماثلة في ذهن صانع القرار. كما لعبت قضية فلسطين وتداعياتها وخصوصية علاقة الأردن بها دوراً هاماً بهذا الخصوص.
ثالثاً، إن الشأن الاقتصادي لم يأخذ الاهمية التي يستحقها لدى الحكومات المتعاقبة التي تعاملت معه بالقطعة، وكأن بناء اقتصاد منتج وقوي ظل غائباً عن الرؤية تماماً، وهو ما ابقى الاقتصاد حتى مئوية الدولة يمثل نموذجاً اتكالياً قائماً على المساعدات والقروض.
اخيراً، المذكرات ممتعة ومفيدة وشفافة بدرجة عالية ما يجعلها جديرة بالقراءة. ونتمنى لدولته العمر المقترن بالصحة والنشاط والسعادة.