صَحَت من نومها على صُراخه، إذْ قام حذاءَها مذعورًا: ابتعدْ عنّي، لا تقترب منّي، أرجوك، لا أحتملُ التَّوبيخ والعنف، لستُ مذنبًا حتّى تحاكمني... وهناك "نيمو" يَنْبحُ بصوتٍ يُطاول السّماء في كلِّ ركنٍ من أركان القَصر المَشيد، وقامتْ "رُورو" ذاتُ الشّعر الأشقر، تُهدّئ من رَوْعه بتمتماتٍ تَطردُ الأشباحَ في سياقِ الخوفِ والأحلام، وتراتيلَ وترانيمَ تَسمو بالنّفس والرّوح، واحتضنتِ الصّغيرَ الوسيمَ، وضَمّت "النّاعمَ الشَّفيفَ" ذا العينينِ الزَّرقاوين إلى صَدرها المُثقلِ بِحدِّ السّنين، وأخذتْ تَحنو على ضَعفه، وقلَّةِ حيلته، وتمسحُ عرقًا يَتصبَّبُ عن جبينه...
(يللا تنام يللا تنام.. لادبحلك طير الحمام
روح يا حمام لا تصدّق.. بَضْحك عَ كوكو تَ ينام
كوكو كوكو الحندقّة.. شعرك أشقر ومنقّى
واللي حبّك بيبوسك.. اللي بغضك شو بيترقّى)
نام الصّغيرُ في حضنِها الدافئ، وغَفتْ على أنغامِ "العُصْفورة" الشّرقيَّة، وخلا الجوُّ فنام الحارسُ "نيمو"... لكنَّ الشَّقيّ أفسدَ الأجواءَ الناعسةَ، واضطربَ القصرُ من جديد، وعادَ ينتفض: ابتعد عنّي، لا أراكَ في وجهي!
- (بصوتٍ يتثاءبُ) مَن هذا يا "كوكو"؟
- أنا في وقتٍ غيرِ وقتك، وفَعلتُ فَعلتك التي فعلتَ وأنتَ مَلِك!
- كنتُ أحمقَ مثلك إذْ جُننتُ وتُجَنّ... كنتُ أظنّ أميرَهم غارقًا في الشَّهواتِ والمَلذّات، وخاطبتُه بما يليقُ به... لكنَّه!
- ردَّ على رسالتك التي تَطاولتَ فيها عليه، فجاءك: "مِن هارون الرَّشيد أميرِ المؤمنين، إلى نقفور كلبِ الرُّوم. قد قرأتُ كتابَك يا ابنَ الكافرة، والجوابُ ما تراه لا ما تسمعه". لكنْ، لا هارونَ عندي!
- نعم، (هَوارينُ) زمانِك مع صَداقتهم...، لا يُمكنهم صدُّ التيّارِ الذي سيجرفُك ويُلقي بك في مزبلة التاريخ.
- وهل فعلتُ مَعيبًا يُلقي بي في المزبلة؟
- جئتَ في قُدوتِهم التي امتدَّ بها الزَّمان...؛ "إلّا رسولَهم"، "إلّا كتابَهم"، "إلّا مقدّساتِهم"... يا "كوكو"!