الأمن الغذائي .. وخطط تنفيذ بعيدة عن الواقع
د.رائد جازي التبيني
27-10-2020 03:06 AM
وجه جلالة الملك المعظم الحكومة لإيجاد حلول لخلق حالة من الأمن الغذائي من خلال مشاريع زراعية، وعليه شهدنا توقيع اتفاقية في الديوان الملكي للبدء بتنفيذ مشروع زراعي كبير في منطقة الجنوب، حيث يرى بعض القائمين على هذا المشروع أنه سيحدث نهضة زراعية في الأردن. للوهلة الأولى فإن أي مواطن سيشعر بأمل تجاه هذه المشاريع لأهمية القطاع الزراعي، وهنا فانه من واجبي كمواطن منتمي لتراب الأردن وخبير في إدارة الأراضي الجافة وشبه الجافة وباحثا وناشرا في مجال المياه والزراعة والمراعي والثروة الحيوانية، أن الفت نظر المعنيين لبعض الجوانب الهامة، كما وآمل التريث في هذا المشروع لأن حاله سيكون كحال المشاريع السابقة والمشابهة من فشل وتعثر واستنزاف للمياه والمال وتدهور للطبيعة، وخصوصا إذا ما تم تنفيذه كما نفذت بعض المشاريع السابقة لكثرة الأخطار والأخطاء التي تحيط بتلك المشاريع.
لا ننكر أهمية التوجه لإنشاء مشاريع زراعية بشرط ألا تكون على حساب أمور أخرى لا تقل أهميتها عن تلك المشاريع،
لماذا يغفل المستشارين عن ان مشاريع زراعية في جنوب المملكة ووسطها وشرقها فشلت وتعثرت وصرف عليها الملايين وأكاد أجزم عشرات الملايين، وأن الكثير منها أغلق وأن المؤسسات التي أشرفت على تلك المشاريع هي ذاتها التي سيتم الاستعانة بها هذه المرة.
يعلم الخبراء والاقتصاديون أن كلف إنتاج الأعلاف على سبيل المثال في مناطق البادية وصلت لأكثر من ثلاثة اضعاف كلفة استيرادها للأردن. وكما يعلم الجميع أن الأردن الثالث عالميا بشح ونقص المياه والموارد المستدامة للمياه، فمثلا إن حوض الديسي يعتبر حوضا غير متجدد وإن مياهه من أجود مياه الشرب ولذلك كانت ضرورة تنفيذ مشروع سحب مياه الديسي لعمان لغايات الشرب الملحة للمواطن، وإنه عندما يعتدى على الخط تعطش عمان لأيام، فما الحال لو استغل زراعيا. وهل نسينا لماذا تم وقف المشاريع الزراعية في الجنوب أو ما تعرف بمشاريع شركات الجنوب وخصوصا في منطقة المدوره، ولأسباب عديدة ومنها خشية استنزاف حوض الديسي.
إن أحواضنا المائية الجوفية تتعرض لاستنزاف كبير، هل نسي الخبراء أن حوض الأزرق المائي مستنزف ويعتبر خط أحمر لدى وزارة المياه، وإنه يمنع بتاتا حفر الأبار الارتوازية فيه، وهنا أقتبس مما قاله أحد المسؤولين قبل أيام إنه سيتم حفر آبار ارتوازية في حوض الأزرق وأشار إلى أن عمق المياه يصل الى 80 مترا، هل نسيت اللجان أن تصرح بأن الضخ الجائر في حوض الأزرق هو سبب أن عمق الوصول للمياه أصبح 80 مترا في حين كانت في السابق بضعة أمتار، ألم تنتبه تلك اللجان أن إعادة الشحن الجوفي أقل من كميات ضخ مياه حوض الأزرق وأن الاستمرار بهذا الحال سيعمل على دمار الحوض أكثر وأكثر. الم تدرك اللجان أن نوعية مياه الضليل تردت وتملحت ولم تعد صالحة بالشكل المطلوب للزراعة وهذا ناتج عن الضخ الجائر والممارسات الزراعية الخاطئة، وهنا أخاطب جميع اللجان التي شكلت لهذه الغاية.
وهل نسينا أن السدود الترابية في الصحراء أنشئت من أجل الشحن الجوفي وتوفير المياه لأصحاب الماشية في مناطق البادية، وأن هذه السدود هي موائل للحياة البرية. وهل نسينا أن هذه السدود لا تمتلئ كل عام نتيجة قلة الأمطار والجفاف فالاعتماد عليها زراعيا خطأ كبير، وان ما تحتاجه من عمليات تنقية وتصفية مكلفة جدا حتى تستخدم في الزراعة. وهل تناسى الخبراء مشكلة التبخر العالية جدا والتي تشكل أكبر تحديات السدود الصحراوية، وهل نسينا ان معظم هذه السدود في مناطق بعيدة جدا وغير مأهولة بالبشر وكيف سيتم تشغيل السكان المحليين غير الموجودين، هل تناسينا كلف النقل والحفظ والتخزين والتي تكون هائلة جدا.
يتسائل الكثير من الناس ولماذا تنجح المشاريع الأخرى والتي تدار من القطاع الخاص، والسؤال هنا هل هي ناجحة بالفعل؟ هل كميات الري عادية ام عشرات الاضعاف؟ هل العمالة محلية ام وافدة؟ هل تدفع هذه المشاريع فواتير المياه حسب الأصول؟ هل تم تقييم هذه المشاريع فعلا والتأكد من نجاحها؟ هل نسينا مشكلة الإنتاج والتسويق؟
أما بالنسبة للطاقة الشمسية حيث يعول الكثير عليها في توفير الطاقة والفاتورة الشهرية، وأقول هنا هل نسينا ان كلفة هذه المشاريع بالملايين أيضا وتستثمر بمشاريع ستفشل، إذا بالمحصلة تعتبر هي أيضا فاشلة.
ولو افترضنا انها ناجحة،هل نسينا أنه يجب توفر خطوط كهرباء لتشبك عليها، أم سيتم استخدام البطاريات لتخزين الطاقة وهذا الامر غير ممكن وغير مستدام وتعتبر الكلفة مرتفعة للغاية؟
بالتالي، فإنني أنصح ومرة أخرى إعادة النظر بهذا المشروع، فلدينا بدائل أخرى مثل الزراعة المائية واستغلال المياه المعالجة في الزراعة المقيدة، واستغلال مياه السدود الكبيرة في الزراعة والتي توجد بمناطق الكثافة السكانية، واتباع الزراعة النوعية وسلسلة الغذاء، ماذا عن القيمة النوعية لأغنام العواسي في البادية الأردنية، وماذا عن الصوف المنتج الذي يهدر دون استغلال. لدينا فرص صناعية لاستغلال الإنتاج الزراعي الحالي والذي يواجه مشاكل تسويق وتخزين كبيرة جدا، وخصوصا بالنسبة للانتاج الزراعي الضخم في البادية الشمالية. هناك فرص استثمارية أخرى في البادية أو مناطق الأردن المختلفة مثل المشاريع الصغيرة والحرف اليدوية وخصوصا هنا يكون الاستهداف للقطاع النسائي أكثر.
حمى الله الأردن وحمى قائده وشعبه وترابه.