قبل ايام قليلة كاشفني بعض الاصدقاء والبعض الآخر طلب مني الحديث حول السبب المباشر لتركي مهنة التدريس الامر الذي ارجعني بالذاكرة لسنوات خلت ففي اليوم الاول الذي تعينت فيه مدرسا للغة الفرنسية باحدى المدارس الحكومية اعتقدت بان فرصة العمر بالاستقرار والامن الوظيفي والمال قد ارخت بظلالها نحوي، فما هي الا ايام قليلة حتى اكتشفت بان جميع الشعارات والعبارات التي تمجد المدرس وتحييه لم تأت بلقمة خبز ولو ناشفة مقابل الامتيازات والراتب الذي يحصل عليه مدرس المدرسة الذي بالكاد لا يكفيه في بعض الاحيان اجرة للمواصلات.المدرسون وفي ظل ظروفهم المعيشية الصعبة يسكنهم هاجس الجوع ويتغلغل في قلوبهم، فهم دائما ينتظرون غيمة الحكومة كي تمطر ولكن في كل شتاء يجدون الارض التي يعيشون عليها لا زالت جافة مع معادلة لا تتناسب مع قيمهم العلمية والعملية التي جاءوا من اجلها لتلقين وتكريس وتأسيس اجيال تحارب العابثين بلقمة العيش وتطالب بالانصاف والعدالة.
فحال المدرسين ينطبق عليه الحكاية الشعبية التي تقول «بان رجلا ذهب لزيارة ابنته الكبرى، فوجد حالها على «باب الله»، وعندما سألها عن وضعها اخبرته بان زوجها الذي يعمل بصناعة الفخار يصلي لله كي لا تمطر لكي يجف فخاره، ويستطيع بيعه، وعندما زار ابنته الصغرى وسألها عن حالها اخبرته بان زوجها الفلاح يصلي كي تمطر ليثمر زرعه، وعند عودته لزوجته سألته عن حال ابنتيها فقال لها «ان امطرت ابكي وان ما امطرت ابكي»، فهذا حال المدرس في بلدنا فان عُيّن إبك عليه وان لم يعيّن إبك على حاله ايضا.
الحكومات المتعاقبة نظّرت وعقدت الندوات والحوارات والمؤتمرات في افخم الفنادق والمنتديات لدراسة احوال المدرسين فحضر الجميع وعلى رأسهم الوزير والمدير وغاب المدرس لعدم تمكنه من توفير اجرة المواصلات التي ستوصله الى مكان انعقاد المؤتمر.
التذمر اصبح سمة المرحلة للمدرسين فالحكومة في واد مغلق اتخذته لنفسها المدرسون في واد آخر لا يلتقيان، بعيدان كل البعد، هكذا هي الحكومات يا رئيس الوزراء تدير ظهرها لبناة الاجيال واعمدة المستقبل وشمعات الوطن من مدرسين قضوا سنوات عمرهم في حب الوطن وزرعه في قلوب الابناء.
الاجتماعات والندوات والاحتفالات التي مولّت من قبل وزارة التربية والتعليم دوت، حتى سكن عبقها انفس الناس من المدرسين وآملهم بالمزيد لكنهم افاقوا على حقيقة انها مجرد لقاءات بروتوكولية ليس الا، لا تسمن مدرسا في جنوب الاردن يعاني حر الصحراء، وصعوبة الوصول الى طلابه ولا تغني آخر في شماله يعاني سوء السكن والمعيشة.
الاداء الحكومي تجاه المدرسين رسخ مقولة «لم نلمس .. لم نحس.. لم نشعر .. لم .. لم» هكذا هو الاداء الحكومي حمل في طياته شعارا اصبح يلازم المدرسين.
واني لعاتب على من قال «من درسني حرفا كنت له عبدا» لان هذا الشعار انقلب رأسا على عقب واصبح من تراث الماضي ، لهذا تركت التدريس غير اسف.
رئيس هيئة المحريرين/جريدة المواجهة