إصلاح الأمم المتحدة ضرورة ..
د. فوزي علي السمهوري
26-10-2020 10:40 AM
نشوب الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء كان السبب المعلن وراء إلغاء عصبة الأمم المتحدة الذي تم اعتبار حدوثها فشلا في تحقيق أهدافها.
75 عاما على تأسيسها: صادف يوم السبت الرابع والعشرين من تشرين اول مرور 75 عاما على تأسيس الأمم المتحدة، هذا اليوم الذي يتطلب إعادة تقييم دورها في مدى نجاحها او فشلها بتحقيق أهدافها ورسالتها بترسيخ الأمن والسلم الدوليين وإرساء القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني دون ازدواجية في مناخ دولي يفترض أن يتسم بالمساواة والندية بين الدول الأعضاء بغض النظر عن مساحتها وقوتها.
من الشروط التي يتطلب توفرها في الدول الأعضاء:
• أن تكون محبة للسلام "الالتزام بعدم الشروع بأي عمل يتنافى مع مبدأ السلام ".
• أن تقبل الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وأحكامه "هذا يعني الالتزام الفعلي بالمضمون والفعل".
بناءا على ما تقدم تثار تساؤلات كثيرة بحاجة إلى إجابات صريحة منها: هل هناك ثقة رسمية أو شعبية بأن الأمم المتحدة بنظامها الحالي قد حققت العدالة والمساواة بين الدول الأعضاء؟، أم أن الثقة في طريقها إلى الزوال إن لم تزل فعلا بفعل الامتيازات التي منحتها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن لنفسها بحكم قوتها الناجمة عن انتصارها في الحرب العالمية الثانية " الفيتو"؟، وهل اضطلعت الدول الخمس الكبرى بواجباتها المناط بها وفق ميثاق وأهداف ونظام الأمم المتحدة بترسيخ الأمن والسلم الدوليين بحيادية وبالعمل على صون وفرض احترام وتنفيذ القرارات الدولية على الدول المارقة التي تتبجح برفضها لشرعية الأمم المتحدة أساسا بقراراتها وميثاقها دون ازدواجية؟ ( إسرائيل واستعمارها لفلسطين نموذجا على الظلم والازدواجية).
هل لسيادة القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والعهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية مكانا في التنفيذ؟، ولما لا يتم تطبيقها سوى على الدول الضعيفة والتي هي تمثل بالواقع كافة أعضاء الجمعية العامة "ناقصا منها بالطبع الخمس العظمى + إسرائيل" العراق وليبيا نماذج واضحة.
هل هناك إعمال لضمان سمو حقوق الإنسان وسيادتها عالميا وما يتطلبه ذلك من مساءلة الدول دون ازدواجية بغض النظر عن مكانتها او تحالفها لإمعانها بارتكاب انتهاكات صارخة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولارتكاب الجرائم التي ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؟. [المستعمر الصهيوني العنصري وتَمكينه الإفلات من العقاب على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني بفضل الفيتو الأمريكي أبلغ دليل]، أم أن الهدف الحقيقي للدول الخمس الكبرى يكمن بتوظيف حقوق الإنسان سياسيا كأداة خدمة لمصالح دولة دائمة العضوية إما مباشرة او خدمة لصالح حليفة لها تعمل أداة لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية؟.
الإجابة على هذه التساؤلات تبين عوامل عدم الثقة بكيان الأمم المتحدة وعوامل فشلها بتحقيق أهدافها.
*المطلوب لتعزيز دور الأمم المتحدة:
على مدار 75 عاما الماضية فشلت الأمم المتحدة بمؤسساتها فشلا ذريعا بتحقيق فلسفة وأهداف إنشاءها كنظام عالمي يرسخ السلم والأمن الدوليين على أرض الواقع يلمسه عمليا شعوب الدول صغيرها وكبيرها قويها وضعيفها وهذا عائد إلى نظام الأمم المتحدة الجائر الذي صاغته الدول الخمس فقط لضمان هيمنتها ولضمان عدم بروز قوة تهدد نفوذ ومصالح الدول الخمس او بعضها او لحلفاء لها وإلا فما معنى منح الصلاحيات التنفيذية بموجب الفصل السابع على سبيل المثال للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن مع الاحتفاظ بحق الرفض لواحدة او اكثر مما ساهم تعسفا التوسع باستخدام هذا الحق الذي هو أصلا يمثل أكبر شكل من أشكال التعسف والاضطهاد لباقي الدول الأعضاء في الجمعية العامة [الفيتو الأمريكي لمنع قبول فلسطين عضوا كامل العضوية دليل ومثال واحد على التعسف والانحياز الأعمى للعدوان الإسرائيلي]؟.
هذا الحال يستدعي من غالبية أعضاء الجمعية العامة ان تنتفض وتتوحد في وجه الظلم والظالمين عبر العمل على إجراء إصلاح حقيقي لنظام الأمم المتحدة بما يراعي مصالح الجميع دون ازدواجية أو انتقائية تحت طائلة الانسحاب من الجمعية العامة في حال استمرار وجود عقبات من دول الفيتو.
*بتقديري أن على رأس وأهم الإصلاحات:
أولا: إلغاء حق الفيتو، ولو تدريجيا أي بمنح هذا الحق بداية لثلاث دول مجتمعة حتى يؤهلها لإبطال مشروع أي قرار.
ثانيا: منح صلاحية استخدام القوة لفرض تنفيذ القرارات الصادرة للجمعية العامة بديلا عن مجلس الأمن بناءا على طلب الدولة الطرف المتضررة.
ثالثا: إلغاء حق الفيتو لغاية قبول دولة عضوا عاملا في الجمعية العامة للأمم المتحدة وحصر قرار قبول عضويتها بالجمعية العامة للأمم المتحدة في حال استخدام الفيتو ففي ذلك أكثر عدالة وتضع حدا لتعسف دولة او اكثر من ذوي العضوية الدائمة في مجلس الامن.
*ما البديل لفشل الإصلاح:
فشل عصبة الأمم حدا بدول الحلفاء استبدال عصبة الأمم بالأمم المتحدة مما يتعين على غالبية أعضاء الجمعية العامة《الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ودول الاتحاد الإفريقي ودول عدم الانحياز ودول أوربية وباقي الدول المضطهدة والمستضعفة》إعلان انسحابها بدون تردد من الأمم المتحدة كعقاب جماعي للدول الخمس على تحجيم دورها وإبقاءها ديكورا لمنح الشرعية لقرارات لا تخدم سوى مصالحها والتوجه لتأسيس كيان دولي يراعي مصالح جميع الدول الأعضاء على قاعدة المساواة والعدالة وترسيخ الأمن والسلم الدوليين دون ازدواجية أو انحياز وضمان سمو سيادة القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وغيرها من العهود والاتفاقيات والمواثيق الدولية بعد إجراء التعديلات اللازمة بما تتفق مع فلسفة وأهداف الكيان الدولي الجديد.
*فلسطين نموذجا وتحديا :
يشكل تعامل الأمم المتحدة مع القضية الفلسطينية كنموذج حي لسياسة دعم العدوان ولإغماض العين عن عنجهية وعنصرية وإرهاب قادة الكيان الصهيوني وجرائمه المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني منذ استعمار فلسطين بتواطؤ غالبية الدول دائمة العضوية بمجلس الامن عام 1948 " التي سلبت ارض فلسطين بغطرستها بقرار ظالم " واستمرار دعمها السياسي والاقتصادي لسلطات الاحتلال الإسرائيلي خلافا لميثاق الأمم المتحدة ولمئات القرارات الصادرة عن مؤسساتها والتي لم يجد أي منها طريقه للتنفيذ بسبب التواطؤ مع هذا الكيان العدواني المصطنع إما عجزا او تأييدا او مجاملة للولايات المتحدة الامريكية وقصر دعم بعض الدول الداعمة نظريا للحقوق الفلسطينية المكفولة دوليا وعلى قمتها حق تقرير المصير ولكن دون ان يترافق هذا الدعم باتخاذ إجراءات عقابية على سلطات الاحتلال الإسرائيلي لرفضها تنفيذ القرارات ذات الصلة وخاصة تلك الداعية لإنهاء احتلالها لأراض الدولة العربية الفلسطينية المحددة بقرارات المجتمع الدولي وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة تنفيذا للقرار رقم 181 بل وتفاعسها وتجاهلها الإضطلاع بواجباتها كدول دائمة العضوية وما يترتب عليها من التزامات بموجب ميثاق الأمم المتحدة لفرض إحترام اهداف الأمم المتحدة والإلتزام بأحكام القانون الدولي وتنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وعن مجلس الأمن والتي تحظر أيضا لجوء دولة على احتلال أراض دولة أخرى بالقوة العسكرية كما تدعو إلى تصفية الاستعمار أنما وجد ففلسطين أرضا وشعبا تقف وحيدة في مواجهة قوى الاستعمار الصهيوني وداعميه خاصة في عهد الرئيس ترامب.
أما التحدي الذي تمثله القضية الفلسطينية يتمثل في مدى قدرة المجتمع الدولي بغالبيته كبح جماح أمريكا برئاسة ترامب التي توظف قوتها لصالح ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وانتزاع اعترافات دول عربية بالكيان الصهيوني كما يتمثل في مبادرة تهدف إلى الانفكاك عن الخيمة الأمريكية خاصة في العهد الترامبي الذي غرق بمستنقع معاداة الشرعة الدولية والانقلاب على مبادئ الأمم المتحدة وميثاقها كما انقلب على القيم الأمريكية القائمة ولو نظريا على الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان والانتقال إلى مربع الفاعل الإيجابي الملتزم بفرض هيبة وإحترام المؤسسة الدولية بكل ما تحمله من معان عبر إلزام دولة الاحتلال الإسرائيلي الاستعمارية بإنهاء احتلالها واستعمارها لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة وفق جدول زمني قصير لتمكين الشعب الفلسطيني من اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 .
نعم الانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني انتصار للشرعة الدولية وانتصار لقوة الحق. .. وهزيمة لأفكار ومشروع الثنائي نتنياهو ترامب بسيادة حق القوة ... ويشكل خطوة جادة نحو ترسيخ الأمن والسلم الدوليين بخلاف ذلك بانتظار عمن يعلق الجرس بالإعلان عن فشل الأمم المتحدة بشكلها ونظامها وأدائها الحالي إقتداءا بالإعلان عن فشل عصبة الأمم المتحدة عام 1945 وبالتالي إلغائها ... والمبادرة إلى تأسيس كيان دولي جديد مبني على أسس العدالة والمساواة وتصفية الاستعمار.
آن للدول المستقلة والحرة أن توظف قوتها خدمة لأمنها ومصالحا؟، هذا ليس حلما بل خارطة عمل بانتظار من يقود الخطوة الأولى؟!