المشاريع الصغيرة في البرنامج الحكومي
د.عبدالله القضاة
25-10-2020 10:47 PM
من المحاور التي تضمنها كتاب التكليف السامي لحكومة دولة الدكتور بشر الخصاونة الاهتمام بالريادة والمشاريع الصغيرة "... أما الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي هي من دعائم الاقتصاد الوطني، فعلى الحكومة تصميم برامج لتمكين هذه الشركات لما لها من أثر كبير على النمو الاقتصادي والتشغيل، وهذا يتطلب توفير البيئة التي تسهل على الرياديين تأسيس الشركات الناشئة والاستمرار بعملها لخدمة الوطن والمنطقة". ونتناول في هذا المقال تسليط الضوء على المشاريع الصغيرة وأهميتها والتحديات التي تواجهها في الاردن وتقديم أهم التوصيات التي يمكن الأخذ بها من الحكومة إستجابة للتوجهات الملكية السامية.
تشكل المشاريع الصغيرة أو المتوسطة أو المتناهية الصغر أكثر من (95%) من المؤسسات في العالم. وهي توفّر فرصاً هائلةً لدفع عجلة النمو الاقتصادي والدخل وفرص العمل.، وأكدت دراسة" العمل الدولية" أن للمشاريع الصغيرة آثارا “مهمة جدا” على سياسات وبرامج خلق فرص العمل، وجودة الوظائف، والشركات الناشئة، وإنتاجية المنشآت، وتنظيم سوق العمل، وأشارت أن (62% ) من الوظائف في البلدان الـ (99) توجد في القطاع غير المنظم، الذي يتصف عموما برداءة ظروف العمل كـ”غياب الضمان الاجتماعي، وتدني الأجور، وضعف السلامة والصحة المهنية، وضعف العلاقات الصناعية، وإن (58%) من إجمالي الوظائف في البلدان ذات الدخل المرتفع موجودة في وحدات اقتصادية صغيرة، وهذه النسبة أعلى بكثير في البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل، مؤكدة أن نسبة التوظيف في الوحدات الاقتصادية الصغيرة تقارب (100%) في البلدان ذات الدخل الأدنى.
معظم الدول المتقدمة قد أبدت اهتمام كبير في تنمية وتطوير المشاريع الصغيرة، في دولة اليابان مثلا، توظف المشاريع الصغيرة( 84%) من العمالة اليابانية، وهي تسهم في الناتج المحلي بحوالي( 52%). نتائج دراسة “العمل الدولية”، التي أشارت إلى أن بيانات لما يُسمى بـ”الوحدات الاقتصادية الصغيرة” جُمعت من (99) دولة، من بينها الأردن، توفر( 70 %) من إجمالي الوظائف، ما يجعلها أهم محركات التوظيف بلا منازع.
التوجيه الملكي يأتي في وقت مهم حيث كان دور الحكومات السابقة في دعم قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة ضعيفا اقتصر على جلب مساعدات لهذا القطاع واطلاق مبادرات وبرامج تحت مسميات مختلفة، ولكن دون ان يكون هناك خطوات ذات أثر ملموس لدعم قطاع قد يكون حلا لمعظم مشاكل الاقتصاد الحالية واعترفت هذه الحكومات بفشل برنامج “دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة” الذي أطلق قبل سنوات بدعم من مؤسسة ما وراء البحار (أوبك) بضمانات تصل الى (250) مليون دولار، كما تأخر تنفيذ برنامج مماثل دعمه البنك الدولي بـ (70) مليون دولار حيث كانت قد بدأت الحكومة مؤخرا من الاستفادة من هذا المبلغ، إضافة الى مبادرة صندوق تنمية المحافظات الذي كان قد موّل (150) مشروعا ، يضاف لذلك عدم كفاية مبلغ التمويل من قبل مؤسسات تمويل المشروعات الصغيرة، فضلا عن قيام هذه المؤسسات الممولة بالتشدد في طلب الضمانات مقابل الموافقة على القرض، كما أن ارتفاع معدلات فائدة القروض كان أحد أهم المعوقات التي واجهت أصحاب المشاريع الريادية فهذه الشركات تستحوذ فقط على ( 5 %) فقط من حجم الاقتراض المتوافر، والأهم من ذلك ضعف العمل المؤسسي المعني بدعم المشاريع الصغيرة ،عدم نجاح صندوق تنمية المحافظات ومؤسسة تطوير المشاريع (جيدكو) وغيرها.
وبالمختصر، هناك عوامل عدة ساهمت في فشل المشاريع الصغيرة في الاردن لعل أهمها – إضافة لماسبق - غياب البيئة الحاضنة الداعمة لهذه المشاريع فالبيئة الحالية تساعد على خروج المشاريع الصغيرة والمتوسطة، (12 %) من المشاريع الصغيرة والمتوسطة خرج من السوق خلال الـ (5) سنوات الماضية، يضاف لذلك عدم المرونة في التشريعات ذات الصلة مثل الضريبة والضمان والعمل وغيرها التي تمكن هذه المشاريع من خلال الحوافز والإعفاءات والتسهيلات ناهيك عن الضعف الإدارة والتنسيق وتدني أو ضعف الرقابة المالية يضاف لها النقص في الخبرة والتدريب للرياديين والفشل في وضع الخطط الإستراتيجية لهذه المشاريع وغيرها الكثير.
وعودة على التوجيه الملكي " على الحكومة تصميم برامج لتمكين هذه الشركات لما لها من أثر كبير على النمو الاقتصادي والتشغيل، وهذا يتطلب توفير البيئة التي تسهل على الرياديين تأسيس الشركات الناشئة والاستمرار بعملها لخدمة الوطن والمنطقة" فالحكومة مطلوب منها أن توفر البنية التحتية المناسبة والمناخ الاستثماري المناسب لهذه المشاريع بما يضمن تأسيسها واستمرارها ، وهذا تكليف يتطلب جهد كبير يضمن الإستدامة، ولاندري هل وزارة الإقتصاد الرقمي والريادة تعلم أنها أصبحت هي المعنية بالتوجيه الملكي أم أن هذه المشاريع ستبقى بلا مظلة مؤسسية في ضوء التداخل في مهام مؤسسات الدولة والازدواجية ، وبكل الأحوال؛ فالحكومة الحالية مؤهله تماما للإضطلاع بمهامها لما تتضمنه من الخبرات النوعية والكفاءات الوطنية ، ولذلك اضع المقترحات التالية بين يديها لتساهم في إثراء الخطة الحكومية التي ينظرها جلالة الملك والمواطن الأردني على حد سواء.
أولا: إعتماد مرجعية مؤسسية تشكل مظلة وطنية موحدة لرعاية الريادة والمشاريع المتوسطة والصغيرة، والحكومة السابقة استحدثت وزارة الاقتصاد الرقمي والرياده ، ووعدت قبل عام أن تعمل على إعداد إطار تشريعي للشركات الناشئة لتشجيع الريادة في الأردن وتعزيزها وبما يضمن وجود بيئة محفزة للاستثمار ، غير أن شيئا من هذا القبيل لم يرى النور ، وعليه ، مطلوب من الحكومة الحالية مراجعة مهام هذه الوزاره وتعزيزها بكادر مختص للشروع بتنفيذ اهدافها والغاء التداخل مع الجهات الحكومية الاخرى سواء وزارة التجارة او مؤسسة تطوير المشاريع او غيرها. كما يتطلب أن تتولى الوزارة تقديم المشورة الفنية والمالية والإدارية والتسويقية المجانية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإقامة المعارض المحلية المتخصصة بشكل دائم للترويج وتسويق منتجات المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
كما يطلب من الوزارة التركيز على “الميزة النسبية لكل محافظة لضمان انشاء مشاريع فيها بالتعاون مع القطاع الخاص تتناسب مع امكانيات كل منطقة ويتم تشغيل سكان هذه المناطق في مشاريع صغيرة ومتوسطة تغذي المشاريع الكبرى في العاصمة وإنشاء بنك معلومات متخصص لجمع البيانات والإحصائيات المتعلقة بهذه المشاريع، إلى جانب شبكة إلكترونية متكاملة تعمل على ترويج السلع والخدمات التي تقدمها.
كما اقترح هنا تطوير مهام صندوق التوفير البريدي وتغيير إسمه (صندوق الرياده مثلا) ليولى دعم الريادة والمشاريع متناهية الصغر ودمج كافة الجهات المثيلة بالصندوق ليكون مظلة تمويل مرجعية يتولى منح رياديي الأعمال وأصحاب المشاريع قروضا متناهية الصغر لعمل مشاريع صغيرة يتكسبون منها ويسددون ديونهم على أقساط، ويقوم الصندوق على مبدأ أن 'التوظيف الذاتي للرياديين وأصحاب المشاريع أساس لعملية التنمية، ويكمن الإستفادة من تجربة بنك التسليف السعودي مثلا : يعطي البنك قروضاً بدون فائدة ضمن برنامج قروض البنك المهنية، الذي يهدف إلى تشجيع ودعم المهنيين والفنيين لممارسة مهنهم.
ثانيا : ايجاد بيئة مناسبة تشريعية تبدأ بصياغة قانون للشركات الصغيرة والمتوسطة كما هو الحال في تجربة الامارات، وتقديم إعفاءات ضريبية مباشرة وغير مباشرة لهذه للمشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة، لتحفيزها وتعزيز قدرتها التنافسية.، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن إعفاء المشاريع الصغيرة من الرسوم والضرائب لمدة خمس سنوات بشكل كلي أو جزئي بشكل متناقص ، كما يمكن أن يكون الحد الأدنى للأجور التي يخضع الريادي وأصحاب الشركات الصغيرة التي يعمل بها (5) عمال فأقل على أساسه بشكل إختياري (100) دينار ويتزايد بنسب معينه سنويا ليتساوى بداية السنة السادسة مع الحد الأدنى المعتمد للأجور في الشركات التي يعمل بها أكثر من هذا العدد ، كون فترة النجاح مشاريع الريادة عالميا تتطلب خمس سنوات.
ثالثا: لزام الجهات التمويلية بالتوسع في تقديم خدماتها الإقراضية للمشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة التي يزيد العاملين فيها عن (5) من خلال تخفيض أسعار الفائدة على القروض الصناعية، وإعطاء فترات سماح أطول، نظرا لمساهمة المشاريع الصناعية في استيعاب البطالة وزيادة الإنتاج وتقليل الواردات، وتوفير العملات الصعبة.
رابعا : إنشاء صندوق لضمان القروض، بحيث يساهم في تذليل المعيقات المتعلقة بارتفاع وتعدد الضمانات المطلوبة من المتقدمين للقروض، بالإضافة لتقديمه كضمانات للجهات المقرضة. فمن تجربة كوريا الجنوبية بهذا الصدد، انها قامت بإنشاء صندوق حكومي لضمان القروض للمشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة، التي تعاني من الافتقار إلى تقديم ضمان للقروض أمام المؤسسات التمويلية، من خلال دفع تأمين من قبل المقترض يساوي نسبة محددة من قيمة القرض.
خامسا : مشاركة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في العطاءات الحكومية، من خلال التعاقدات من الباطن مع الشركات التي يرسي عليها العطاء، وتحديد نسبة معينة من قيمة العطاء تلزم الشركة بتوريد احتياجاتها من المشاريع المسجلة رسميا كمشاريع صغيرة او متوسطة، مع مراعاة عدم السماح للشركات الكبيرة بممارسة نشاط ثانوي ينافس المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وهذا يستدعي خلق " سلسلة الأعمال" التي تضمن تسلسل الانتاج من مشروع الى آخر، بحيث يتم تسويق منتج كل مشروع الى مشروع آخر برعاية وزراة الريادة.
سادسا : تعزيز مستوى التدريب والتوجيه والإرشاد للرياديين وأصحاب المشاريع الصغيرة، خاصة فيما يتعلق بالدعم التقني، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في تطوير أعمالها من الجهات التسويقية والفنية المناسبة، وهنا قد يكون مناسبا عمل مجلس شراكة بين وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة ومؤسسة التدريب المهني ومعهد الادارة العامة لتطوير خطة للتأهيل والتدريب النوعي وتنفذ ضمن معايير الجودة ووفق مسارات ومناهج محددة ومدربين محترفين.
سابعا : إطلاق جائزة " ولي العهد" لأفضل (60) مشروعا من المشاريع الواعدة سنويا على مستوى المملكة ، وتمييزها عن بقية المشاريع وتقديم الحوافز المناسبة لها، ليكون ذلك عاملا منافسا ومشجعا للمشاريع الأخرى على الإبداع والتميز، حتى تكون من ضمن المشاريع التي تحظى بهذه الحوافز.
ثامنا : ضرورة اعادة النظر بالمناهج التعليمية والتدريبية والبرامج الإعلامية "التنموية" التي تنمي روح الريادة والابتكار، وزيادة الوعي لدى أفراد المجتمع بأهمية التعليم المهني والتقني.
تاسعا : أن توجه الحكومة الشركات الحكومية والخاصة بتخصيص برامج المسؤولية الاجتماعية فيها الى صناديق لدعم مشاريع الريادة وإعتماد ذلك من مركز الملك عبدالله الثاني لغايات معايير جوائز التميز لهذه الشركات.