عبر شاشة التلفاز على إحدى القنوات هكذا بدت لي الأجواء من مجرد النظر إلى الصورة .. ضباب دخان النارجيلة ،ورائحة المعسل المختلطة بالعنب والتفاحتين والنكهات التي يعرفها كل من يمارس هواية التدخين التقليدية هذه ، وتلك الأضواء الصاخبة الملونة بالأزرق والبنفسجي والأخضر والبمبي وصولا إلى الكعكباني الذي لا أعرف ما هو أصلا طبعا بعد أن لم يعد بصري قادرا على تمييز الألوان من كثرتها..
تبدد الدخان بعد وهلة، ليظهر من بين المتفرجين على الطاولات التي يعج بها المكان عند المنصة مجموعة غنائية شابة إن لم يكن بعض أعضائها قاصرا ، بإختصار مكونة من خمسة ذكور ، أحدهما يرتدي قبعة فرنسية تدلّى من تحتها ما تبقى ظاهرا من شعره الذي كان مربوطا على شكل دنب وصل إلى منتصف ظهره توشح بقليل من البياض .. لم أدر إن كان شيباً حقيقاً أم أنه صبغة بيضاء كنوع من انوع الموضة التي يتبعها مراهقو جيلنا هذه الأيام ليبدوا أكبر سنا .. أما الجينز فكان عبارة عن شريطة زرقاء ممزقة، يعني كما يقال باللهجة العامية "مشروع بنطلون وفشل" !!! وكوني من الأشخاص المهتمين بتفاصيل الأحذية لم أعد مكترثة بالنظر إلى الحذاء الذي يرتديه كوني اكتفيت مما رأيت من العجائب ! كان ذلك عازف "الأورغان"..
لم اتمكن من تفصيل الثلاثة الآخرين إذ كان كل منهم مختفيا وراء أشكال وأحجام مختلفة من "الدرمز" أو الطبول تلك الغربية ، والقادمة من أمريكا اللاتينية .. لم أخسر شيئاً على الإطلاق لأن كان هناك ما هو أهم رؤيته ويستحق التفصيل بالفعل !!
المغني : بنظارة شمسية سوداء رغم أن السهرة كانت داخلية و في منتصف الليل، وقميص رسمت عليه سمكة حمراء، لم أستطع قراءة ما حولها من كلمات رغم محاولتي عدة مرات لعلي أجد ما يبرر ارتداءه لهذا القميص الذي بدا لي بلا معنى رغم جمال شكله .. كان طويل القامة، نحيل البنية بكرش صغير اختفى بعد فترة تحت "الجيتار" فور بدء العزف .. الكلمات حملت قافية إن سمعتها لظننت أنها "قصيدة مهملة" أي وهي القصيدة التي يتكون البيت الواحد فيها من شطرين ويسير فيها الشاعر على قافية واحدة في عرف الشعر النبطي بلا تشبيه !! بعيدا عن القافية حاولت تقفي مضمون الأغنية لم اتمكن على الإطلاق لأن النسق والتركيب كان عجيبة من عجائب الدنيا السبع ! لم يكن لكلمة أي علاقة بالأخرى ولا صلة ولا أي رابط بأي شكل من الأشكال !!
والملفت أن كل الكلمات هي مقتبسة من واقع جيلنا اليوم، وباللهجة العامية الأردنية المتداولة بين الشباب الأردني ، والتي يمكن أن نقول عن مؤلفها " ديونجي" ! استهجنت مستوى مضمون الأغاني التي سمعتها كونها ضياع في ضياع رغم انني لا انكر أني تقهقهت من الضحك على الكلمات كل واحدة منفردة عن الأخرى أكثر من الجمهور الشاب الذي كان يصفق بحرارة واستمتعت بالموسيقى لأبعد الحدود كونها تحمل ألحاناً متنوعة عربية وغربية ولاتينية ..
كم اتمنى أن اكتب ولو أغنية واحدة من المتعددات اللاتي سمعتها تلك حتى أوضح الصورة .. إلا انني لن أفعل حفاظا على قواعد المهنة التي تنص على عدم التشهير !!!
تساءلت إن كانت هذه الأغاني غير المفهومة التي لم يفهمها الجمهور الذي هتف لها وكان حاضرا لسماعها هي واقع حالنا نحن الشباب اليوم ، تبين لي أن الإجابة هي نعم !!! تعجبت من استمتاعي بأداء المجموعة قلقت خوفا من أكون جزءا من ثقافة اللامفهوم هذه ! إلا انني لم اطمئن سوى الآن وانا اكمل كتابتي لآخر كلمات هذه الخاطرة.