لم يعد مفهوما صمت الحكومة المطبق حيال ما آلت إليه أوضاع صحفنا الأردنية، بعد حجم الخراب الكبير الذي لحق بهذه المؤسسات الوطنية جراء العبث بمقدراتها، والتدخل عبر بوابات خلفية بتعيين "ولاة أمرها" ممن يفتقرون إلى الأصول الإدارية والمهارات القيادية لاستعادة بريق خَفت وإرث اندثر.
وفي هذه المحطة أجد نفسي وقلمي منحازين بالفطرة إلى صحيفة الرأي التي تعاني منذ سنوات طوال أزمات إدارية ومالية طاحنة ومتتالية، أوغلت سياسات بعض الحكومات العبثية في إيصالها إلى هذا الواقع المتردي وتقع على عاتقها مسؤولية مباشرة عن حالة الوهن التي وصلت إليها هذه المؤسسة التي كانت مدعاة لفخر كل أردني ويباهي بقصة نجاحها الوسط الصحفي والاعلامي برمته.
لم تكن معاناة الرأي والعاملون فيها صدفة بل جاءت اذا ما افترضنا حسن النوايا في سياق اجتهاد خاطئ لإحدى مجالس إدارتها حين قرر إنشاء مجمع مطابع على طريق المطار بكلفة باهظة أدخل المؤسسة بمديونية خانقة تعذر معها الإيفاء بما يترتب عليها من التزامات مالية تجاه عامليها ودائنيها إذ وصل الأمر حد تأخر تقاضي المعاشات وتعداه إلى أن أقدمت إدارة المؤسسة مؤخرا على خطوة أقل ما يمكن وصفها بغير المسؤولة والمستهجنة من جانب العاملين والمتقاعدين حين تم إيقاف خدمات التأمين الصحي نتيجة عدم توفر السيولة الكافية لتسديد ما ترتب على المؤسسة من ذمم مالية لشركة التأمين تصل إلى نحو 700 ألف من الدنانير، في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى توسيع مظلة المستفيدين من خدمات التأمين الصحي، والأدهى من ذلك أن المجمع إياه القابع على مدخل مأدبا ما زال يستنزف من إيراد الرأي المتواضع بدلا من أن يوجه صوب العاملين وجيوبهم التي نضبت منها السيولة بفعل الممارسات الخاطئة وتضارب الأولويات.
الحكومة وباقي مؤسسات الدولة لا زالت تشيح بوجهها عن الرأي والعاملين فيها وتكتفي بدور المراقب دون أن تكسب شرف المحاولة في إيجاد حل جراحي سريع ينقذ مئات الأسر من هذا الواقع المرير، وتناسوا ما تمثله هذه الصحيفة من محطات زاخرة بالنبل والوطنية تبنتها الرأي على مدى سني عمرها.
انتفض العاملون في فترات سابقة نصرة ل "الرأي المؤسسة" وما تمثله من قيم عليا حملت معها رسالة الوطن على أكفها في إطار مهني وحرفي فريد من نوعه، وتفردت دون غيرها بالمشهد الصحفي والإعلاني وكان ما ينشر عبر صفحاتها من أخبار وتحليلات ومقالات خريطة طريق تعكس رسالة الدولة حين كان معنى وقيمة للموقف.
ومن حسن طالع العاملين تشاء الأقدار أن تكون حصة الرأي كبيرة في الحكومة الحالية بعد أن وقع الاختيار على معالي الأستاذ علي العايد الذي رئس مجلس إدارة الرأي وزير دولة لشؤون الإعلام وزميلنا فيصل ملكاوي الذي عمل مديرا للتحرير فيها مستشارا إعلاميا في رئاسة الوزراء، إذ يتوسم العاملون خيرا بأن تكون الرأي على مائدة حوار الحكومة من أجل إيجاد حلول عملية تنصف أبناء المؤسسة الذين ضاق بهم الحال وأغلقت أمامهم كافة السبل في امكانية توفير متطلبات العيش الكريم لأسرهم ولو بحده الأدنى.
"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، عبارة تغنى بها صحفيو الأردن بكونها حالة عكست مدى حالة الأمن والأمان الوظيفي لمن يحظى بفرصة الالتحاق في العمل على كادر الرأي، وأعين وأفئدة العاملين تتجه صوب رئاسة الوزراء ليترجم الصديقين العايد وملكاوي هذه المقولة بعد سنوات عجاف من الوهن الذي دكّ بنيانها، ويسهما في حل معضلة الرأي التي دفع عاملوها أثمان سياسات عشوائية لا يصح تحت أي بند أن يتحمل أبناء المؤسسة تداعياتها؟
ثمة إجراءات جراحية عاجلة لا تحتمل التأخير وإن كان طعمها مر بات لزاما اتخاذها، وندعو الصديقين اللذيْن خبرا بواطن الأمور في الرأي أن يعيدا قضيتها إلى الواجهة الرسمية واتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير تكفل الحماية لجل العاملين بعد أن تقطعت بهم السبل، قد يكون آخرها العلاج بالكي.