سياحة المسير رافدٌ للإقتصاد والتنمية المجتمعية
عبدالرحيم العرجان
24-10-2020 03:27 PM
تعد هواية المسير والترحال من أهم مقومات السياحة بشقيها المحليّ والدولي، ورافد أساسي للإقتصاد ومحرك لدورته ورابط قوي للصداقة عبر الحدود، ومنتج ذو طبيعة خاصة، يدعم المجتمعات المحلية، ويخفف نسب البطالة وينمي الثقافة والمعرفة ومعزز للوطنية والانتماء والثقة بالنفس وروح الفريق.
ومن انخراطنا بهذه الهواية السياحية الرياضية، تعرفنا على الكثير من المواقع سواء أكانت في الوطن او الخارج ضمن ما هو مدرج على الخارطة السياحية ومعروف أو عما غاب عن البال وغفل عنه النشر والإعلام وما تطلب استكشافه بحث علمي وارشاد أبناء المناطق الذين هم أدرى بشعابها، ففي كل منطقة بها من الجمال والتفرد ما يكفي لتناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالإمكانيات المتاحة العالية المتابعة، وقليلة التكاليف؛ وذلك بهدف أن يكون وسيلة تعريف مفتوحة بعين الحقيقة دون إضافة أو نقصان، بضمان الواقع بالمتوقع، وهو ما يشهده الرحالة، مقدماً الحال بكل حياد وتجرد، ومحفزاً عفوي للزيارة والبحث في أسراره الطبيعة بما فيها من مكونات حياتية كالنباتاتِ واستخدماتها والكائنات ونمط معيشتها والجيولوجية وتاريخية المكان، وما لم يفسر ويعلل لغاية اليوم لأقوامٍ قد سادت ثم بادت، ومجتمعات سكنت هذه الاماكن كلٌ لهم تقاليده وعاداته الإنسانية المتوارثة.
فهذه الحصيلة المجتمعة هي عنصر مشوق للترحال، وشغف السفر من بلد الى آخر مبنية بالدرجة الأولى على تنظيم الرحلة بشكل ذاتي دون الاعتماد على الشركات السياحية أو وسطائها؛ كون كل الأمور أصبحت متاحة للحجز عبرالانترنت بأسعار منطقية ضمن مستوى الخدمة دون إضافات هوامش ربحية أخرى، ففي رحلتنا لقطع لبنان استخدمنا تطبيق (ماب مي) الشبيه ببرنامج التموضع العالمي (GPS) للمسير عبر مئات الكيلومترات مجتازين سلاسل جبلية وأودية عابرين مدن جلنا بها أو المبيت في بيوت الاستضافة القروية أو مراكز إيواءٍ في الأديرة أو نُزل بسيطة ويكفي أن تكون نظيفة، دون الحاجة لدليل أو مرشد محلي، ومثلها أيضاً مثل عدد من الدول التي رسّخت مقومات هذا المنتج.
ومن تجربتنا بالمسير في جبال الهاملايا "أعلى قمم العالم" والذي وصلنا فيه إلى أنابورنا 5416 متر بنيبال الذي يعد من أهم دول العالم استقطاباً لهذه السياحة بإمكانيات بسيطة ولكنها مشوقة والتي تشكل الجزء الاكبر من إجمالي الناتج القومي.
ومن الجدير بالذكر أنه من الممكن تحويل البحر الميت وحوضه لمقصدٍ عالميٍّ موازٍ لجبال الهاملايا، فهو أخفض بقع العالم وتلكَ أعلاها تحت شعار المسير تحت سطح البحر، فَفيهِ من مقومات الجذب ما يكفي لعالمية المقصد من أودية بكر، غير بعيدة منابعها ومصباتها عن مراكز الخدمات والسلامة، وبتسلسل جيوغرافي حيوي كل منها ذو تفرد يثير الدهشة ويأسرُ القلوب ليكن حلم كل مغامر، والذي يمكن اجتيازه ضمن مستويات صعوبة متباينة، تناسب جميع الأهواء والقدرات وطالبي المعرفة والتأمل والاستجمام فهو قليل التكلفة وطويلُ المدة، ناهيك عن بعده الديني وعبقه التاريخي وتقدمه الحضري.
لولا هذا التشويق المماثل لما اجتزنا الحدود بآلاف الأميال للنهل منه في بلاد أخرى وما أتى إلينا أصدقاء عرفناهم عبر العالم الافتراضي نتيجة صورة أو نص أو التقيناهم بمساراتنا الدولية، فرافقناهم إلى البادية مقصد عشقهم والمثلث الذهبي وأودية الكرك وجبال الشوبك وعجلون ووعر الطفيلة ونهر الأردن المقدس، كما هم استضافونا في بلادهم في سلطنة عمان وسينا وجبال أطلس وعندما صعدنا الى القرنة السوداء الأعلى في بلاد الشام وصنين الأصعب بلبنان برفقة الرحالة حسان عليق، وهنا يتوجب خلق ريادين وسفراء ووجه وطني ومنهم من حمل رسائل بقلب صادق.
لتشجيع هذا المنتج السياحي الجديد بشكله الاستشراقي ومضمونه للرحالة يتطلب أن يتم تعزيز وبناء مقوماته عبر تدريب أبناء المجتمعات المحلية بالمناطق المستهدفة ليكونوا مرشدين ذي مهارات ومعرفة عالية لوجه سياحي وطني وممثل له نابع من روح المكان، ودعمهم لتخصيص مساحات ايواء ضمن سياسة خدمة مبيت مع افطار وعشاء بلدي بالحدود المنزلية والمخيمات البدوية والمزارع بشكل مرخص وقانوني، وترسيم مسارات آمنة بإحداثيات واضحة ووضع متطلباتها من علامات إرشادية دولية متعارف عليها، وتخصيص خط وزاري ساخن للطوارىء والتساؤلات، والاستفادة من التجارب الخبرات الدولية في هذا المجال للبناء عليها وتطويرها بفكر إبداعي ليتناسب بما لدينا ببصمة وطنية واضحة، وبهذه الحصيلة نكون قد خففنا من نسبة البطالة والهجرة الى المدن وعززنا مصدر دخل جديد للأُسر.
ولا ننسى أن سائح هذا المنتج يأتي بحقيبة ظهر لاحتياجاته الشخصية لا يتجاوز وزنها العشرة كيلو ويعود دوما محملاً بالتذكارات؛ الأمر الذي سوف يدعم سوق الحرف اليدوية، بالإضافة لكاميرا وموبايل مليء بالصور لتعود دائرة التحفيز والاستقطاب من جديد.