ما بين حكومتين
اللواء المتقاعد مروان العمد
24-10-2020 11:13 AM
منذ ان صدرت الإرادة الملكية السامية بحل مجلس النواب بتاريخ 27 / 9 / 2020 اصبح حديث الشارع الأردني يدور حول متى ستقدم حكومة دولة الدكتور عمر الرزاز استقالتها عملاً بالاستحقاق الدستوري مستعجلين رحيلها واصفينها بأنها اسوء حكومة بتاريخ الأردن علما بأن هذا الوصف اطلق على الحكومة السابقة وعلى التي قبلها وهكذا.
وقد قدمت هذه الحكومة استقالتها بتاريخ 3 / 10 / 2020 وباليوم الأخير من مهلة الأسبوع الدستورية لاستقالة الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها. وفِي نفس اليوم قبل جلالة الملك استقالتها وكلفها بالاستمرار بتصريف الاعمال لحين اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة مشدداً جلالته على ضرورة العمل خلال هده الفترة بهمة وعزيمة ومثابرة لأن التعامل مع وباء كورونا يقتضي العمل المركز والمستمر ومواصلة اتخاذ التدابير والإجراءات بخصوصه دون تباطؤ. وهنا انطلقت الأقلام تحلل المغزى من هذا الأجراء ومدى دستوريته حيث افتي البعض بعدم دستوريته فيما افتى آخرون بأن ذلك لا يتعارض مع الدستور. فيما ابدى البعض خشيتهم من استمرار تواجد حكومة تصريف الاعمال لحين اجراء الانتخابات الجديدة غير مدركين لهدف جلالة الملك من هذا التكليف وانه لوجود وباء كورونا وضرورة استمرار العمل لمواجهته من قبل الحكومة المستقيلة ولحين استكمال إجراءات تشكيل الحكومة الجديدة. فيما انشغلت الغالبية العظمى من المواطنين بتسمية رئيس الوزراء القادم وكان كل اسم يطرح كان يدعي من طرحه انه يستند في معلوماته الى مصادر ثقة وعليا ومؤكدة. وكان من ضمن الأسماء التي طُرحت السياسي والدبلوماسي الأردني بشر هاني الخصاونة والذي كان في ذلك الوقت مستشاراً لجلالة الملك للاتصال والتنسيق وكان بحكم عمله من الدائرة الضيقة التي تعمل مع جلالته.
وبتاريخ 7 / 10 / 2020 صدرت الإرادة الملكية السامية بتكليف دولة السيد بشر الخصاونة بتشكيل الحكومة الجديدة. وبعدها انشغل المواطنين بنشر توقعاتهم لتشكيلة الوزارة الجديدة حيث كان ينشر تشكيلة لها كل بضع ساعات وتنسب الى مصادر موثوقة وعليا ومؤكدة ، الى ان صدرت الإرادة الملكية السامية بتشكيل الحكومة بتاريخ 12 / 10 / 2020 ولم تشمل الكثيرين ممن وردت أسماؤهم في التشكيلات المؤكدة التي انتشرت ، وورد بها اشخاص لم يرد اسمهم في اي من هذه التشكيلات.
وما ان تم الاعلان عن التشكيلة الجديدة حتى انهالت بعض الأقلام بعضها من خارج الأردن وبعضها من داخله ولكنها تعزف على نفس الوتر في مهاجمة هذه التشكيلة وبطريقة توحي ان الهجوم كان مدبراً بليل وقبل الاعلان عن التشكيلة وفِي انتظار إعلانها. وقد شملت هذه الحملة دولة الرئيس وأعضاء فريقه الوزاري، وقد تم تخصيص بعضهم بحملة هجوم ونقد اكثر من غيرهم. وانا لست ضد انتقاد التشكيلة فأنا عن نفسي كنت أتمنى لو ان بعض الأسماء لم ترد بها، ولكنني ضد الطريقة التي تمت بها عملية الهجوم هذه حيث ركزت على الحياة الشخصية الخاصة لهم وكأن من سوف يكلف بعمل وزاري يجب ان لا تكون له حياة خاصة به قبل لك. وكل ذلك دون منح هذه الحكومة مهلة أربعة أيام وليس أربعين يوماً كما جرت العادة.
وانا لن انصب نفسي مدافعاً عن هذه الحكومة وخاصة انني لم أرى حتى الآن خيرها من شرها. لكن من العدل ان نعطيها فرصتها وخاصة انها جاءت في اصعب الأوقات حيث نعاني من مديونية تجاوزت 38 مليار دولار وعجز مستمر في الميزانية ونسبة بطالة مرتفعة جداً ونسبة كبيرة من الفقر المدقع بالإضافة الى ما جرى في عهد حكومات سابقة من عمليات بيع وتخصيص وصفقات مشبوهة وفساد. ثم جائتنا الضربة الكبرى من خلال وباء كورونا والذي أصاب العالم كله بما فيه نحن والذي عجزنا عن التصدي له مثلنا مثل كل دول العالم وجعل الحكومة السابقة تتخبط في أجراءتها وقراراتها لموجهته، شأنها شأن كل دول العالم، فيما كنا نحن نطالبها ونتوقع منها ان تنتصر هي عليه بمفردها دونماً عن دول العالم كله وحتى من دون ان نساعدها على ذلك بحماية انفسنا من هذا الفيروس او على الاقل اتباع ابسط سبل الحماية منه. وقد اصاب هذا الوباء اقتصادنا وزاده دماراً على دمار ، واثر على حياتنا اليومية وعطل منظومتنا الحياتية والتعليمية والصحية بشكل شبه كامل. مما يعني ان امام هذه الحكومة مهمات صعبة جداً، واذا توسعنا في توقعاتنا من هذه الحكومة وفِي مقدرتها على اخراجنا من الوضع الذي نحن فيه فأننا نكون نحملها ما هو فوق طاقتها. ولذا فيجب ان نتواضع في توقعاتنا منها.
كما ان هذه الحكومة ليست مسؤولة عن اخطاء الماضي كلها بالرغم من ان بعض أعضاؤها كانوا وزراء في حكومات سابقة تتحمل قسماً من مسؤولية ما نحن فيه. كما انها ليست المسؤولة عن انتشار وباء كورونا ولا عن بعض الاخطاء وبعض الاجتهادات والتناقضات التي وقعت بها الحكومة السابقة. بل هي استلمت مسؤوليتها والوضع كما هو عليه. ولعل البعض كان يتوقع ان تقوم هذه الحكومة وبمجرد استلامها المسؤولية بالغاء جميع القيود والاجراءات والتعليمات واوامر الدفاع التي اصدرتها الحكومة السابقة، وان يعودوا الى حياتهم كما كانت قبل ان يدخل الفيروس الى داخل حدودنا مع ان هذا الاحتمال هو المستحيل بذاته، وان اول أولويات هذه الحكومة هو مواجهة تبعات هذه الجائحة. لذلك كانت لمكاشفة دولة الرئيس للمواطنين بأنه سيكون عليها اتخاذ بعض القرارات الصعبة ، وكان لإصدارها بعض القرارات الإضافية والتي شددت من الإجراءات السابقة بالإضافة الى اصدار امري دفاع جديدين بتغليظ العقوبات على مخالفي التعليمات بمواجهة وباء كورونا وقع الصاعقة على هذا البعض. متجاهلين واقع الحال والمتمثل بزيادة انتشار هذا الوباء وزيادة عدد المصابين بة يوميا بحيث اقترب من العدد الذي كنا نخشى منه وهو الثلاثة الآف، وزيادة عدد الوفيات اليومية بحيث اصبح معدلها بالثلاثينيات ، وان اي تخفيف من هذا الإجراءات يعتبر عملية انتحار وقتل ليس للحكومة واعضائها وانما للمواطنين جميعاً، ومتجاهلين ان هذه الحكومة قد أتت وهي لا تحمل سر هذا الوباء ولا طريقة الخلاص منه ولا حتى أسلوب عمل يوصلها الى هذه النتيجة شأنها شأن كل دول العالم والتي زاد انتشار الوباء فيها الى درجة كبيرة وجعلها تتخذ إجراءات مشددة تجاوزت ما اتخذته سابقاً. وقد وصل الامر ببعضها الى فرض حالة من منع التجول التام ليل نهار ولعدة اسابيع وصلت في ايرلندا الى ثلاثة أسابيع. نعم صحيح ان هذه الدول قادرة على ان تقدم المساعدات المالية لمواطنيها الذين سوف يتضرروا من هذه الإجراءات ونحن لا نملك، ولكن يجب ان ندرك انها لن تستطيع ان تفعل ذلك على المدى الطويل . ولهذا كانت قرارات الحكومة بعدم اللجوء للحظر الشامل ما امكنها ذلك وان علينا ان نتقبل الإجراءات الجديدة حتى لو كانت قاسية على البعض وضارة بالاقتصاد . ولكن على الحكومة ان لا يشغلها وباء كورونا عن واجباتها الأخرى اتجاه الوطن والشعب وان تعمل على تنفيذ جميع التوجيهات الملكية السامية اليها في كتاب التكليف ، واولها التخفيف من الازمة الاقتصادية التي نعيش بها وإيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل ، وتوسيع شبكة التأمين الصحي الشامل وملاحقة الفساد والفاسدين بالإضافة للحملة التي تقوم بها اتجاه عصابات الزعران والاتاوات وان يشمل ذلك مهربي المخدرات وتجاره . وتعديل القوانين والتشريعات التي بحاجة للتعديل وغيرها من الإجراءات المطلوبة منها بحكم ولايتها ، وان تعلن خطوطها العريضة لتحقيق ذلك على المواطنين ليكونوا على بينة من امرهم ، وان لا تحصر حديثها وقراراتها على وباء كورونا فقط . وان تجعل من الشعب شريكاً لها في عملها هذا ، فنحن ركاب سفينة واحدة ويجب ان نعمل معاً على تأمين وصولها الى الشاطئ سالمة حتى لو اضطررنا الى رمي بعض متاعنا ومؤننا الى البحر لتتمكن السفينة من البقاء على سطح الماء ولكي لا تتقاذفها الرياح وتغرقها الاعاصير ، وان لا نستعجل نحن المواطنين توريث الحكومة الحالية لقب اسوء حكومة مرت على تاريخ الاردن.
وحمى الله الاردن وشعب الاردن وقيادة الاردن