1 - بريد المجانين
رأيت في بريدي اني كاتب لها:
- إن يتعب الإنسان، أمر طبيعي، وأن يحكى قصص تعبه فإنه يحتاج إلى حبيب مجنون، لا إلى عصابة تزيد من جنونه!
..وقفت تحت مكتب البريد انتظر برقية منها، ضحك موزع الرسائل، تجاوز عن هيئتي وهش بيده ان اخرج من المكتب.
شاورت ظلي، عاندت، قلت للرجل العجوز في لباسه الرسمي:
- انتظر برقية!
- انتظر في الخارج!
..في ظل سماء ماطرة وبرد تشريني لافح، غفوت على عتبة المكتب، ..وكأي مجنون حلمت بيمامة مصقول عوارضها تطعم يمامة تئن من جور الغياب، ومالت اليمامة نحوي، كاشفتني عن بريد مجنون يصرخ:
- كل العصابات تزيد من نسبة الجنون على الأرض.
..رفسني ساعي البريد، تلقفتني بركة من مياه الامطار فبدأت اهذي:
- جنوني يحمل بريدا مختلفا عن بريد العصابات التي تتصدى لها حرير الروح.
2 - اللحن والقيثارة
علمت من اوراق ابي انه كان عاشقا بولهٍ لكل اشكال وانواع الحمام، يربيها في سقيفة على سطح الدار، يزغطها بالقمح والكرسنة والعدس والفلفل الاسود والحبهان.
..وفي الورق انه ضرب لها على قيثارة اشتراها من سوق الحميدية في دمشق، عزف لها لكي تتزاوج ويعيش صبابة وهديل اليمام وحنو الطير على جناح الغيم.
مات ابي، فقدت القيثارة بهدوء لص محترف، تاهت الطيور تنعى الراحل، نسينا ان في السقيفة اعلى الدار رفاق ابي، لحن عذابهم على فراقه.
..تذكرني شقيقتي الصغرى ان اخي المرحوم، قرر ان لا مكان للحمام على سطح الدار، منوها انها «مناقير الفقر»..وتلطفت زوجته ان اشارت الى انها لا تنسى افضل وجبة تناولتها في صبيحة عرسها، الزغاليل بالفريك وان اخي افلح في لعق شوربتها.
3 - نافذة تطل على حبيبي!
لمذاق الخضراوات وفاكهة الموسم لذة عجيبة، يركن عربايتة مقابل نافذة بيتنا الرئيسية، يركز كرسيه على جدار مدرسة الايتام، يتجمل في صورة مكونات يومه من البطاطا واللوز الاخضر والبندورة والفلفل الاحمر والاعشاب العطرية كالنعناع والريحان والبقدونس والجرجير والخس.
انتبهت لصفاء عينيه، اذهلتني حركات اصابعه يتحسس المشمش ويحنو على الرمان والتوت، انتبه شاردا نحو النافذة، تحايلت واختفيت، يعيد ما تبعثر من خضار، يسرق نظرة جريئة على زخارف النافذة وزجاجها المعشق، أراه ولا يراني!
صفعني ابي الموقر، اطاح بي أرضا، بصق واغلق النافذة الى الابد.
في ذات اليوم واثار الصفعة تترك اوراما على خدي ورقبتي، سمعت امي تطيل دعواتها ان يسخطني الله قردة ونخلص منك يا ملعونة.
تزوجت الملعونة وفتحت النافذة وغاب البائع وعربايته في غفلة من صراخي.
الرأي