ثلاث مغالطات بالشأن البلطجي
المحامي بشير المومني
24-10-2020 12:47 AM
أول هذه المغالطات تقوم على نمطية التفكير التبريري في محاولة إظهار البلطجي بأنه ضحية للمجتمع وليس بأن المجتمع هو ضحية للبلطجي وهذا تبرير للجريمة والاجرام مبني على مغالطات متعددة ليس اقلها وجوب نشوء مجتمع مجرم بأكلمه اذا كان المجتمع او ظروفه الاقتصادية هي من تنتج الحالة الجرمية لأن الجريمة بطبيعتها هي انحراف سلوكي وخروج على القواعد الناظمة لحياة المجتمع بالنتيجة، أما البلطجة تحديدا فدوافعها الكسب الكبير السريع غير المشروع بأدوات غير مشروعة وبجميع الاحوال فإن الجريمة لا تخضع للتبرير نهائيا وإنما التفسير والتحليل بأضيق نطاق وفق معايير الدفاع القانوني المشروع ايضا فالظروف او ارتكاب جريمة آنية قد تدفع الانسان لانحراف سلوكي وخروج على القانون في ظروف قاهرة او ردة فعل او سورة غضب، لكن اتخاذ الجريمة والخروج على القانون كمهنة فهذا أمر مختلف تماما يستدعي التعامل والردع القانوني والاجرائي القوي وضعف المنظومة التشريعية العقابية والاجرائية التي تتصدى للجريمة المستمرة والمتعددة والمتكررة هي النقطة الموضوعية التي تستدعي البحث، هذا النمط من التفكير هو نفسه الذي كان يبرر للجرائم الارهابية رغم وقوع المجتمع ضحية لها مثلما حصل في تفجيرات عمان.
المغالطة الثانية تقوم على نمطية التفكير التآمري وهي لا تقل سخفا عن سابقتها وتروج عادة في الاوساط السطحية وغير المثقفة او التي تدعي المعرفة ببواطن الامور وبواعثها كثيرة فتزعم بوجود مؤامرة ما بين مؤسسات وأجهزة تطبيق وتنفيذ احكام القانون من مؤسسات حكم قضائي واجهزة أمنية مع الطبقة البلطجية في حين أن هذه المؤسسات هي عدو تقليدي لمنظومة البلطجة ذلك أن المؤسسة القضائية تقوم بتطبيق احكام القانون وتجريم الافعال وتحديد المجازاة وتقوم الاجهزة الامنية بالقاء القبض ابتداءً على الفاعل والاحالة الى القضاء وتنفيذ الحكم القضائي بعد الادانة ولطالما تعرض افراد وكوادر هاتين المؤسستين للاعتداء والردود الانتقامية او مقاومة تنفيذ القانون ووصلت في بعض الاحيان لتعرض قاضي الموضوع او رجل الأمن للاعتداء على المال والنفس وبالطبع اليوم نشاهد بأم أعيننا الجهد الهائل والمخاطر التي يتعرض لها أشاوس رجال الأمن في سبيل تطبيق حكم القانون وصون المجتمع خلال عملية التنظيف الجارية حاليا وكثير ما سمعنا عن تعرض منزل او مركبة القاضي الفلاني لاطلاق النار او الحرق العمد.
المغالطة الثالثة تقوم على النمطية الاسقاطية والتوظيفية في التفكير فتذهب بعيدا وتشطح في ملكوت الله وهي بالطبع لا تقل سوءًا عن سابقتيها لا بل تجمعهما في توظيف واحد لتبرر وتعمق نظرية المؤامرة ولها هدف سياسي من خلال توسيع نطاق الحالة ولتربطها بشكل غريب بالاسباب والدوافع السياسية ولقد ظهرت هذه النمطية خلال الاعوام الماضية بحيث تضيف كل جريمة الى النظام السياسي او طبيعته وشكله وبالطبع نجد هذه المغالطة تروج وتخض بقوة داخل الاوساط السياسية التي توصف بأنها حراكية او تنظيمات وشخصيات معارضة وتزعم انها كانت ضحية للبلطجة بتوجيه أمني وتحاول ان تقيس او تسقط ما حصل في دول الجوار على الحالة الأردنية في حين أن المنظومة الأمنية تعاني من التشكيلات البلطجية وهي في حرب مستعرة معها قبل نشوء هذه الحراكات والتنظيمات وهي الآن في معركة طحن عظام بمواجهتها في الوقت الذي لا وجود فعلي فيه للحراك على الارض وانما وجود استعراضي (فيسبوكي) ناهيكم عما قدمته المؤسسة الأمنية من رعاية وحماية للاحتجاجات والمظاهرات والفعاليات الاعتراضية على سياسات الحكومة بالاضافة إلى أن المؤسسة الأمنية الأردنية لديها من القوة والثقة الكافية القادرة على تفكيك أي حراك او فعالية عند الضرورة اذا كانت مخالفة للقانون علما ان التاريخ الراشد للنظام السياسي يربأ بنفسه عن الاساليب الدونية المعتمدة لدى الغير في التعامل والتعاطي مع المطالب السياسية لا بل ويستجيب لها والشواهد وحكايات التاريخ ممتلئة وكثيرة لا يحتاج معها لمن يذكر بها.
بعيدا عن الجدليات نحتاج اليوم لجملة من التصويب التشريعي القادر على تفكيك منظمات الجريمة وتحقيق الردع العام والخاص بكفاية ومن المقترحات المعتبرة التي جرى التقاطها في عمليات رصد التغذية الراجعة رفع مستوى التجريم والتصنيف من الجنحة الى الجناية حال الاتفاق الجرمي او التكرار وتعديل الاختصاص ليصبح منعقدا لمحكمة الجنايات الكبرى وتغليظ عقوبته حتى لا تقل عن الاشغال المؤقتة مدة خمسة عشر عاما ووصول العقوبة الى الاعدام او السجن المؤبد في حال الانتقام من المشتكي وعدم تخفيض العقوبة باسقاط الحق الشخصي بالاضافة لتعديلات جوهرية في قانون منع الجرائم من حيث وجود محكمة ادارية او لجنة قضائية تنظر بتنسيبات الحاكم الاداري بالتوقيف وطلبات التكفيل ويكون قرارها قابلا للطعن لدى محكمة اعلى درجة والتي يكون قرارها قطعيا لتجنب الانتقادات التي تنال من قانون منع الجرائم.
(الرأي)