البريد الأردني ومعركة المصير
عدنان عمر العوضات
23-10-2020 07:44 PM
كتاب كان في مكتبة بيتنا منذ سبعينيات القرن الماضي لمؤلفه رئيس الوزراء الأردني الأسبق سعد جمعة رحمه الله، قرأته في تسعينيات القرن الماضي فأعجبني الحبك، والتسلسل، والأسلوب وكم المعلومات الضخمة والمفردات والفلسفة التي يؤمن بها الكاتب، وإضافة لكتاب المؤامرة ومعركة المصير كان هناك في مكتبتنا للمؤلف ذاته كتاب أبناء الأفاعي وكتاب مجتمع الكراهية وكتاب الله أو الدمار وكلها لا تختلف من حيث الجماليات والتصوير الفني والفكر النير والأهداف النبيلة لهذا الرجل النبيل، فأحببت أن أقتبس هذا العنوان (البريد الأردني ومعركة المصير) من عنوان الكتاب المذكور لمقالي هذه ورؤيتي للأحداث والتطورات والإرهاصات.
الكثيرون من المتابعين الكرام يرجعون أسباب تردي أوضاع البريد الأردني المالية ويعلقونها على شماعة التكنولوجيا التي حجمت ليس فقط البريد الأردني فحسب، وإنما قد حجمت مؤسسات البريد في جميع بلدان العالم بما فيها بريد الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بعض الدول قد أولت اهتماماً ورعاية للبريد في بلدانها كالولايات المتحدة الأمريكية، ودول الخليج العربي، وحتى في سوريا التي تشهد اضطرابات وحروب، وأيضاً في تونس التي تعاني من أزمات اقتصادية عدة.
هذا تعليل غير واقعي، وتحليل غير منطقي، وإحالة ظالمة للمشهد برمته، صحيح بأن الكثير من الخدمات وايراداتها المالية قد نزحت بفعل التكنولوجيا، إلا أن البدائل أيضاً قد تحدث فارقاً وتوازناً مع ما قد ذهب من موارد إذا وجدت رعاية من الدولة الحاضنة، وتهيئة البنية التحتية والدعم المالي المستمر؛ لكننا شهدنا للأسف الشديد عكس ذلك، فهناك تعمد واضح لتدمير البريد، وتركه ليواجه المصير لوحده.
إن إدارة البريد الأردني الحالية قد واجهت تحديات جمة، ومديرها العام الحالي الدكتور خالد اللحام قد عمل منذ توليه مهام إدارة البريد الأردني على التخفيف من الأزمة المالية والتخلص من أسبابها بشتى الطرق، مستغلاً الطاقة المتجددة وزرع خلايا شمسية في مبنى الإدارة العامة كجرعة أولى ليوفر بذلك مبالغ كبيرة من فاتورة الكهرباء المستحقة، وكذلك استثمار المباني المملوكة في جلب موارد إضافية، وإدخال الكثير من الخدمات الإلكترونية وخدمة بلاغات المحاكم ضمن منظومة الخدمات البريدية في محاولات حثيثة لتفادي وقوع هذا الصرح العظيم وسقوطه وتصفيته.
لقد صدرت كتب عدة من رئاسة الوزراء بحصر البريد المنقول بين الدوائر الحكومية في البريد الأردني في إستجابة لنداء تكرر كثيراً من إدارة البريد العامة، إلا أن ذلك لم يطبق على أرض الواقع في كثير من الدوائر الحكومية، وما زالت تتعامل مع شركات نقل بريد أخرى للأسف الشديد، وفي العام الماضي اجتمع مدير عام البريد الأردني الدكتور خالد اللحام في مجلس الأمة مع اللجنة المالية البرلمانية وأطلعهم على أسباب أزمة البريد الأردني المالية ليخرج بيان يدعو لحصر التعامل في المراسلات الحكومية مع البريد الأردني ولكن دون جدوى، فهناك من لا يريد بأن تقوم قائمة للبريد الأردني.
ولقد وضعت قيود عدة على البريد الأردني وسحب البساط من تحت أقدامه في كثير من المحطات، فعندما أرادت شركة أجنبية ضخ مبالغ كبيرة في خزينة البريد الأردني على أن تشغل نظاماً تحصيلياً كنظام اي فواتيركم القائم حالياً قيل للبريد الأردني أنه ليس صاحب إختصاص في ذلك، علماً بأنه يقدم خدمات مالية كثيرة، ويشرع صندوق المعونة الوطنية حالياً لسحب خدمة تسليم رواتب منتفعي الصندوق من البريد الأردني الذي قدم هذه الخدمة ردح من الزمن الطويل، وكأن البريد الأردني لا يكفيه ما فيه من هموم وضيق ذات اليد.
وختاماً أقول..
في ظل هذا الوضع القائم، والذي يتنكر فيه الجميع للبريد ولموظف البريد والدور الرائد الذي قام به على مدى عقود من عمر الدولة الأردنية، فإننا نضع بين يدي صناع القرار هذا المشهد الصعب والمخجل للتحرك في اتجاه الدعم اللازم وتصويب أخطاء الماضي، وما زال البريد الأردني يخوض معركة المصير مع من يريدون إلغاء دوره المحوري.