برامج الدراسات العليا في الجامعة الاردنية
د. عبد المهدي السودي
10-06-2007 03:00 AM
افدات صحفية الرأي ان مجلس عمداء الجامعة الاردنية قد قام بتأطير برامج الدراسات العليا التي يشترك في تدريس موادها اساتذة من عدة اقسام في الكلية الواحدة، من خلال تشكيل لجنة مشتركة لكل برنامج من نائب العميد ورؤساء بعض الأقسام التي يشارك بعض اساتذتها في التدريس في تلك البرامج. وانا اقترح على اساتذة وطلاب الجامعات الاردنية ان يصوتوا على هذا القرار ليصبح من عجائب القرارات الاكاديمية السبعة الجديدة واقترح على عمون ان تفتح باب التصويت لهذا القرار مجانا. وقد تزامن هذا القرار مع استلام معالي الاستاذ الدكتور خالد الكركي لرئاسة الجامعة الاردنية ليعرف نوعية القرارات الابداعية التي اتخذها مجلس عمداء الجامعة الاردنية للهبوط اكثر واكثر بمستوى الدراسات العليا والذي جاء خصيصا لمعالجتها. والسؤال الذي اطرحه على مجلس العمداء الموقر هو ما هو الاساس القانوني والمبرر الاكاديمي وراء اشراك نواب عمداء ورؤوساء اقسام علمية غير متخصصين للاشراف على البرامج المشتركة في بعض الكليات في الجامعة وهم لا يدرسون في تلك البرامج ولا يعرفون الطلاب ولا الخطط الدراسية؟ هذا القرار يشبه اسلوب تعلم القردة بالمحاولة والخطأ على طلاب الدراسات العليا ففي البداية كانت بعض البرامج في كلية الدراسات العليا ثم انتقلت لبعض الكليات وانشأت لها اقسام شكلية دون هيئة تدريسية والان تطلو علينا بقرار اطلقتم عليه تأطير برامج الدراسات المشتركة ويرتكز على قاعدة ان رؤوساء الاقسام ونواب العمداء هم علماء بكل شيء ولديهم القدرة الخارقة على وضع الخطط والاشراف على برامج خارج تخصصاتهم ومجال دراستهم لمجرد انهم رؤوساء اقسام وانتم تعلمون ان غالبيتهم قد تم تعينهم على اسس غير موضوعية كما بينت ذلك في مذكرة للرئيس السابق.
ولنفرض ايها العمداء الاعزاء ان استاذا واحدا من كل من قسم الفلسفة والتاريخ والاجتماع وعلم النفس سوف يدرس مادة من مواد الدرسات الدولية او البرلمانية في كلية العلوم الاجتماعية والانسانية فان لجنة الاشراف على ذلك البرنامج حسب قراركم الاخير سوف تتكون من نائب عميد تلك الكلية ورؤساء الاقسام المذكورة بغض النظر عن تخصصاتهم الاكاديمية. بمعنى اخر سوف تتكون تلك اللجنة من اساتذة لا علاقة لهم بالدراسات الدولية اذ قد يكون تخصص رئيس قسم علم النفس هو علم نفس النمو وتخصص رئيس قسم علم الاجتماع دراسات ريفية وتخصص رئيس قسم التاريخ دراسة التاريخ القديم فكيف لهؤلاء الاساتذة ان توكل لهم مهمة الاشراف على برامج الدراسات العليا في البرامج المشتركة كما هو الحال في برنامج الدراسات الدولية؟ ويظهر ان مجلس العمداء قد اتخذ هذا القرار على عجل وقبل استلام الرئيس الجديد لمعالجة مسألة انشاء بعض الاقسام في اكلية العلوم الاجتماعية والانسانية مثل قسم الدراسات الدولية دون ان يكون فيه اي عضو هيئة تدريس متخصص ومتفرغ على كادر ذلك القسم. وحتى ولو تجاوزنا هذه الاشكالية يواجهنا سؤال اخر مهم وهو: ما هو الاساس القانوني للجنة مشكلة من نائب عميد ورؤساء اقسام غير متخصصين لادارة برامج دراسات دولية او برلمانية متخصصة كما هو الواقع في تلك الكليةا؟ هل هناك جامعة واحدة في العالم يقوم بالاشراف على الدراسات العليا فيها لجنة مكونة من نائب عميد ورؤساء اقسام لا علاقة لهم بذلك التخصصين وهم اصلا يتغيرون بصورة منتظمة لان مدة تعين رئيس القسم يكون حسب نظام اعضاء الهيئة التدريسية لسنة واحدة؟
ومن المفيد ان نذكر كيف تم انشاء تلك الاقسام في الكلية وكيف حصلت على ترخيص من مجلس التعليم العالي دون ان يكون فيها اعضاء هيئة تدريس حسب قوانين الاعتماد؟. بسيطة لقد تم ادراج اسماء اساتذة من اقسام مختلفة وكأنها على كادر الاقسام المطلوب انشائها نظمتها عمادة الكلية وتم ارسالها لمجلس التعليم العالي من اجل الحصول على الترخيص المطلوب. وقد تم الموافقة على انشاء تلك الاقسام على افتراض ان الاسماء التي رفعت لهم هي على كادر تلك الاقسام والا لما تمت الموافقة على انشائها لانها تخالف تعليمات انشاء اقسام جديدة الا بحد ادني من الاساتذة المثبتين في تلك الاقسام. ايها العمداء المحترمين اين احترام التخصصات العلمية والامانة والشعور بالمسؤولية. وهل يحق لأعضاء لجنة لمجرد كونهم رؤوساء اقسام وضع الخطط الدراسية وتحديد مواضيع الرسائل الجامعية والمواد التدريسية وتقييمها واهم من ذلك منح الدرجات العلمية في مثل هذه البرامج؟ هل تلك اللجان التي اخترعها مجلسكم الكريم لديها الصلاحية القانونية للقيام بهذا الواجب. طبعا لا لانه وطبقا لقانون الجامعة فان اصحاب الصلاحية القانونية في منح الدراجات العلمية هي الاقسام والكليات العلمية وليس لجان تم انشاؤها بطريقة عشوائية.
وللمقارنة مع جامعات عالمية اضرب مثلا ببرامج دولية مشابهه في جامعتين من اعرق الجامعات الامريكية وهما جامعة جورج تاون التي امضيت الصيف الماضي فيها وجامعة دينفر. ففي جامعة جورج تاون هناك برنامج للدراسات العربية يديره رئيس قسم برتبة استاذ متخصص في شؤون الشرق الاوسط بالاضافة الى مجموعة من الاساتذة المتخصصين او ما يطلق عليهم Core Faculty يستعينون في عملية التدريس بنخبة من الاساتذة من اقسام اخرى يختارونهم حسب الحاجة والتخصص. اما في جامعة دنفر فان هناك كلية خاصة للدراسات الدولية يندرج تحتها كل البرامج الدولية المتخصصة كدراسات الشرق الاوسط والصين واليابان وكل برنامج له هيئة ادارية وتدريسية متخصصة تستعين ببعض الاساتذة المتخصصين من داخل او خارج الكلية لادارة العملية التعليمية من خطط ومناهج واشراف على الرسائل الجامعية اما الاساتذة من خارج تلك الاقسام فيقومون بالتدريس فقط.
وهناك تساؤل كبير اخر اود ان اطرحه هنا هو لماذا قرر مجلس العمداء تشكيل تلك اللجان على الرغم من وجود عمادة مستقلة للدراسات العليا في الجامعة؟ وفي الحقيقة لم نعد نعرف ما هو دورها ومبرر وجودها بعد ان جردت من اهم واجباتها العلمية والاكاديمية لدرجة انها اصبحت مجرد دائرة بيروقراطية تقتصر واجباتها الحالية على القيام ببعض الامور الشكلية مثل تسجيل الطلاب والتصديق على مشاريع خطط الرسائل الجامعية وعلى قرارات وتوصيات لجان الدراسات العليا في الكليات المختلفة واقرار اعداد الطلاب المقبولين في كل برنامج بناء على توصية من اللجان المتخصصة في الاقسام وكل كلية وهي مهمة قد يقوم بها عدد قليل من الموظفين الاداريين والاستغناء عن كادر تلك الكلية. فالاصل ان تلحق هذه البرامج بكلية الدراسات العليا شريطة ان تعطى الصلاحية لانشاء اقسام متخصصة للتدريس في هذه البرامج كما هو الحال في جامعة دينفر الامريكية والاستعانة باساتذة من بقية اقسام الجامعة للمساعدة في العملية التدريسية.
ان الحل المناسب لهذه الاشكالية اذن يكمن في خيارين: الحاق هذه الربمج بكلية الدراسات العليا مع منحها كامل الصلاحية لتأسيس اقسام وتوظيف اساتذة متخصصين فيها او توظيف عدد من الاساتذة المتخصصين في تلك الدراسات لا يقل عن اربعة نصفهم من الاساتذة في كل قسم توكل لهم مهمة ادارة ذلك القسم ووضع خططه الدراسية والاشراف على مشاريع الرسائل الجامعة وامتحان الكفاءة ويستعينون ببعض الاساتذة المتخصصين من خارج الكلية والجامعة للاغراض التدريسية.
وهذه ليست المشكلة الوحيدة التي كانت تعاني منها الجامعة الاردنية. فهناك تدني مستوى التعليم والتعيينات على اسس غير موضوعية واهمال الاساتذة لواجباتهم التعليمية والادارية وغيرها من المشاكل الملحة التي تحتاج الى قرارات ادارية حازمة تبدأ بتغييرات شاملة في جميع المستويات الادارية الحالية من القمة للقاعدة دون اعتبارات شخصية او واسطة او محسوبية. ان اصلاح التعليم في الجامعات لا يتوقف على تغيير الرؤوساء بل هو عملية متكاملة ترتكز على اسس علمية موضوعية تبدأ بتغيير المنهجية التقليدية في ادارة الجامعة واستبدالها بمنهجية عقلانية ترتكز على اسس مهنية واخلاقية تبدأ بقرارات جريئة لتغيير جميع المسؤولين الذين يتحملون مسؤولية الاخطاء الادارية والاكاديمية وعلى رأسها تدني مستوى في الجامعة والذي جاء الدكتور الكركي لاصلاحها. منهجية تفرض على الاساتذة وضع خطط دراسية بقراءات حديثة ومحددة لا تقل عن 500 صفحة كحد ادنى لكل مادة دراسية وتتطلب من الاكاديميين والاداريين الالتزام بالدوام الرسمي والتقييد بالحصص التدريسية والساعات المكتبية والجدية في الاشراف على الرسائل الجامعية والعملية التدريسية واستخدام الوسائل التكنلوجية في التعليم والمراسلات الادارية لتخلق من الجامعة بيئة علمية تشغل وقت الطالب بالدراسة والبحث وغيرها من الامور العلمية بدلا تبديد الوقت والتسلية والانشغال بالكلام الفارغ بالخلويات وارسال المسجات والاشتراك في الهوشات والانبطاح على الادراج والممرات والاستماع الى الاغاني والموسيقي تحت الشجيرات وكأننا في متنزهات قومية لا جامعات علمية.