من فيلم «النوم في العسل» لعادل امام ودلال عبد العزيز.. الفكرة غير مطروقة في السينما العربية والعالمية. الحديث وباء غريب ومجهول المصدر اصاب سكان القاهرة ومدن مصرية. وعادل امام ضابط شرطة مباحث في امن القاهرة، واول من اكتشف المرض الغريب من حوادث القتل والنزاعات الاسرية الغريبة واللافتة واعدادها المرتفعة يوميا.
خطر اقتحم المدينة، وتحول الى وحش كبير يلتهم الذكورة، واصيب الناس بهستيريا. وانتقلت الجريمة من شخصية الى جماعية. وفي شكلها الاول كانت تقع على غرفة النوم بين الزوجين، ومن ثم انتقلت الى الشوارع والميادين والحارات والفضاءات العامة.
مدينة رجالها منكوصين جنسيا، وبلا ذكورة. الوباء القادم الى المدينة لم يميز بين فقير وغني، وجاهل ومتعلم، وشاب وكاهل. علاماته كانت سرية وخفية، والرجال رفضوا الاعتراف به والاعلان جهرا عن عجزهم الجنسي، والنساء اصبن برداءة بخت، وندم وحسرة على متعة مفقودة.
الحكومة رفضت الاعتراف بالمرض. ورغم ان الناس ذكورا واناثا بدؤوا يبحثون عن اي سبيل وخلاص للنجاة. اشبه بانتحار جماعي خيمت اشباحه على المدينة. الناس انفلتوا وسط عجز العلم والطب في اكتشاف دواء وتفسير علمي للظاهرة وما يصيبهم من طارئ صحي جنسي عجيب وغريب بان يفتشوا عن دواء شعبي وسحر وشعوذة ومنجمين.
المجتمع دخل في حالة غيبوبة وهلوسة جماعية، والنكسة غرائزية، ماذا اصاب الذكورة؟ من علامات الموت الجماعي لاي كائن بشري ومجتمع خدش الغزائر : الاكل والشرب والجنس والنوم ، والسكن، والمرض.
«لعبة الغرائز « تهيج القطعان البشرية. عندما يصبح الانسان بلا ذكورة، وعندما تصبح المعدة بدا الجوع، وعندما يفقد الجسم غريزته، ويتحول الانسان الى كائن بلا امل واحساس ومشاعر، وعديم التفكير والايمان بالمستقبل. فماذا سيكون حال المجتمع اذن؟
الفيلم من اخراج شريف عرفة، قدم هذه الافكار بصور سينمائية عبقرية ومبدع. ولو انه الفيلم ونبؤة السينما لتقول لنا ما يحدث اليوم للعالم بفعل كورونا وقرارات الحظر الشامل والاغلاقات الكلية والجزئية، والتفكير في مواجهة كورونا بالحظر وقتل وتجميد الحياة والاقتصاد.
الحياة مقدسة. والعيش حق مقدس. وما يعتمد ويقر من سياسات لمواجهة كورونا كالحظر والاغلاق هي توطئة لموت وانتحار جماعي.. قبل كل شيء من الاجدر ان يسال المواطن» الفرد « عن امنه الغريزي، وان لا يخدش.
ولهذا راينا قفلة فيلم النوم في العسل. وكيف خرج المواطنون في مظاهرة كبيرة وراء عادل امام يصرخون باعلى اصواتهم «لالالا « يقولون ما هو مكبوت في صدورهم. ومن دون ان يشعروا فقد تحرروا من عقدة الاحباط الجنسي، وعادت حياتهم الى طبيعتها. وكما يبدو فان الحرية ليست تشريعا ولا قرارا سياسيا ولا سقفا اعلاميا، الحرية توازن بيولوجي وغزائري، فما دام الانسان في معادلة بيولوجية وغزائزية مستقرة ووازنة فهو بسلام وامان وثقة.
الرئيس الراحل جمال عبدالناصر سئل في الاعلام الغربي عن الانتخابات وصندوق الاقتراع ولماذا لا يتبنى الديمقراطية الغربية في مشروعه السياسي، فماذا كان جوابه : ما دامت الدولة عاجزة عن تامين صحن الفول والعيش صباح كل يوم للمصريين، فلا تحدثوني عن ديمقراطية.
في غمرة كورونا انصح باعادة مشاهدة فيلم «النوم في العسل «. للتذكير بان الحياة تموت وتتحول الى عدم دونما احترام وتقدير وتامين وحماية للغزائر الفردية والجماعية. لربما كلامي هنا غريب شيئا ما. ولكني ثمة ما يوجب اعادة طرح سؤال عن الحياة و الحرية والغريزة وكورونا من زوايا مختلفة. فما اهون كورونا اذا فكرنا في حياة الانسان دون امل وحب وشعور وايمان بالمستقبل.
الدستور