التنشئة الأسرية والسلوك المنحرف
19-10-2020 12:50 PM
منذ فجر البشرية والأسرة تتبوأ مكانة مهمة وجوهرية في تنشئة أفرادها ، وهناك حقيقة راسخة بأن تنشئة الأسرة الأولى لاتستطيع أي جماعة أن تحل محلها ، لأنها علاقة عضوية بيولوجية نفسية أكثر منها علاقة اجتماعية ، فكل مايتم زرعه في الأبناء من عادات وسلوكيات وأفكار ومعتقدات تبقى مترسبة في شخصياتهم ، ويتعذر لأي جماعة مجتمعية أخرى إزالتها أو إلغائها ، لأنها طبعت على صفحاتهم الأولى ، وتبقى ثابتة في اللاشعور ، وقد يصعب على الفرد التخلص منها حتى في كبره وتعايشه مع مجتمعات أخرى كالمدرسة والعمل والأصدقاء ، كونها ترسخ في الشعور وتبقى محفورة في الذاكرة .
إن التنشئة الأسرية السليمة تقوم على عمودين أساسيين هما الوالدان ، وغياب الدور الوظيفي لأحدهما أو كليهما في تنشئة الأبناء ينشأ عنه تنشئة ناقصة وربما منحرفة ، لأن التنشئة الطبيعية هي مسؤولية الوالدين وليس غيرهم ، أما الاعتماد على غيرهم أو إهمال تربيتهم والعناية بهم ، فيسبب تراجعاً في وظيفة الأسرة ، ونقصاً كبيراً في مسؤولياتها تجاه المجتمع بتنصلها من واجبها ووظيفتها الأصلية ، وبالتالي تصبح الأسرة جزءاً كبيراً من المشكلة ، والأصل فيها أن تكون جزءاً من الحل الذي ينشده المجتمع ، وتفرضه أحكام الشريعة الإسلامية السمحة ، ويفرضه القانون الوضعي التشريعي ، وتنشده القيم والأعراف الإجتماعية .
تشير بعض الدراسات الإجتماعية إلى إرتفاع غير مسبوق بنسب ومعدلات قضايا الإنحراف والجريمة التي تعزى أسبابها إلى غياب الدور الوظيفي أو البنائي للأسرة ، وهذا يؤكد غياب التنشئة الإجتماعية السليمة عند بعض الأسر ، وتجاهلها مواجهة أسباب الإنحراف ، تاركةً معالجة النتائج على كاهل الأجهزة الأمنية التي تسهر جاهدةً للعمل على محاولة تصحيح الممارسات الأسرية السلبية في تنشئة أولادها .
ونتساءل هنا ، ماذنب المدرسة إذا أرسلت لها الأسرة طفل متنمر ؟ وما ذنب الجامعة إذا استقبلت مشروع منحرف ؟ ، وبالتالي نخترع له للأسف عنوان " العنف الجامعي "
وما ذنب المجتمع إذا دخل عليه مشروع مجرم أو متطرف ؟ ونطلق عليه للأسف أيضاً " العنف المجتمعي " ، وجميعهم من هذه التسميات براء .
وختاماً ، وفي ضوء هذه المعطيات ، أعتقد أننا بحاجة ماسة إلى " إستراتيجية وطنية للتنشئة الإجتماعية الأسرية " ، نبدأ
بتنفيذها عاجلاً وليس آجلاً ، في سبيل معالجة أسباب الإنحراف والجريمة في مهدها ، لأن معالجة النتائج لاتحقق الأهداف التي نسعى إليها ، رغم الجهود الجبارة للأجهزة الأمنية لاحتوائها ومواجهتها وحماية المجتمع من تداعياتها . مع الأخذ بعين الإعتبار أن الجريمة موجودة في كل المجتمعات وبكافة خصائصها وأنماطها ودوافعها ، ومعدل الجريمة في المجتمع الأردني من أقل النسب العالمية ، إلا أن نمط إحدى الجرائم وطريقة إرتكابها تجد النبذ والنكران من جميع فئات المجتمع كونها غريبة عن قيمه وأعرافه ، ودخيلة على عاداته وتقاليده .