حين يغيب الإصلاح السياسي، تفقد السياسة حيويتها وحراكها، ويتداول «الفاعلون» على هوامشها مزيجا من الشعارات البعيدة عن هموم الناس وواقعهم، ومن المفارقات أن تهمة الفقر الذي تعاني منه شعارات المرشحين تختزل في إطار الجدب الشخصي لا جدب المناخات العامة، وفي سياق ضعف المتزاحمين على الصناديق والمقاعد لا في سياق ضعف السياسة وتراجع أدائها وإفرازاتها ودوران عجلاتها.. هذه التي من المفترض أن تقود قطار الانتخابات بسرعة وكفاءة الى الأمام.
حين تكون السياسة بعافيتها، تفرز نخبا وفاعلين سياسيين على قدر مساو من العافية، اما حين تتراجع او تجمد فان أحدا لا يستطيع ان يلوم رافعي شعارات الدعاية الانتخابية على فقر شعاراتهم، ومن أسف أن صوت الإصلاح السياسي قد غاب تماما عن «مولد» الانتخابات وان خطاب الذين توجهوا لإقناع الناس بانتخابهم والتصويت لهم لم يتجاوز حدود ما يثير عواطف الناخبين وانتماءاتهم الضعيفة وتفاصيل همومهم اليومية اما القضايا الكبرى فقد غابت عن اللافتات وأصبح الانشغال بها في عداد لزوم ما لا يلزم.
صورة «المرشحين» في شوارعنا وما تضمنته من وعود ودعوات يمكن ان تكون بروفة لصورة المجلس النيابي القادم، وأسماء المرشحين الذين يتصدرون القوائم هي في معظمها تكرار للأسماء التي ألفناها في مارثون الانتخابات السابقة وقبل السابقة، ثمة من يرى ان إنتاج حالة سياسية جديدة تنهض بمجتمعنا وتعيد اليه ما افتقده من حيوية لا يزال في رحم الأمنيات، والأمنيات فقط.
غياب الشعارات الجادة في لافتات المرشحين، أو غياب «السياسة» عن هذه الشعارات افرز حالة جديدة من «عروض الصور»، حيث تحولت الصورة الى «شعار» بحد ذاته، وأصبح الصراع الدعائي صراعا بين صور صامتة، لا تختلف كثيرا عن تلك التي تروج للنجوم في الميادين المختلفة.
ولأن العديد من المرشحين ليس معروفا لدى «الناخبين» بسبب عدم انخراطه في الحياة العامة، أو ضعف تجربته في العمل السياسي، فان «الصور» التي ازدانت بها لافتات الدعاية الانتخابية تريد ان تقدم نفسها بنفسها، كبديل «للشعار» المفترض أن يقدم برنامج المرشح وتوجهاته وخياراته، وربما تكون هذه المرة الأولى التي يشهر فيها بعض المرشحين عزوفهم التام عن «الشعارات» مع الاحتفاظ بوهج الصور، على أمل ان تقنع الناخب بأن ما يفكرون به أبعد وأكبر من ان يختزل في عبارة .. أو حتى برنامج انتخابي مكتوب بمهارة، عجبي..!
الدستور