قراءةٌ في ملف المداهمات وظاهرةُ الإتاواتِ
إيليا أيمن الربضي
17-10-2020 11:43 PM
على الرغم من أننا جميعًا ندرك المشكلة وأسبابها ومسبباتها ومدى إنعكاسها على الواقع الإجتماعي والإنساني في الماضي والحاضر والمستقبل، إلّا أنّ ذلك أبدًا لا ينفي وجودها ولا يقلل من شأنها أو يخفف من خطورتها بل على العكس من ذلك تمامًا؛ فهو يزيد من أهميتها وخطورتها معًا, لأن الخطر الذى يداهم المجتمع دون إحساس أو شعور به أو دون تقدير لحجمه وفاعليته من قبل الجهات المعنية يكون بمثابة القُنبلة الموقوتة التي قد تنفجر بين فينةٍ وأخرى. ونحن في هذا المقال، لا نقصد الإنتقاص من جهود الجهات التي تعالج هكذا ملفات، بل على العكس من ذلك فقد آن الأوان لأن يتم تنقية الأردن من أولئك الذين يشكلون جماعات تخريبية ويقومون بكل ما هو مروع من الإعتداء على الناس؛ وسلب أموالهم ؛ وإخضاعهم للأتاوات والخاوات؛ وإرتكاب الجرائم دون أدنى إعتبار منهم لسيادة القانون والأمن المجتمعي.
وتعليقًا منّا على التسجيل الصوتي لمديرية الأمن العام الذي تم تداوله عبر منصات التواصل الإجتماعي عصر هذا اليوم, بخصوص العمليات الأمنية التي سيتم البدء بتنفيذها منذ يوم الغد, فإننا نوجز وجهة نظرنا بالنقاط الجوهرية التالية, لأن هذا الملف يجب أن يفتح الملف الأهم؛ وهو ملف التغييرات القانونية في المنظومة التشريعية –وبالذات الجزائية منها-، لتوفير البنية التحتية اللازمة للنهوض بمقاصد القانون الجزائي -فعلًا لا قولًا- والمتمثلة بالردع الخاص لمرتكب الجريمة بعينه والردع العام لكل من تسول له نفسه إعادة إرتكابها, وهي على البيان التالي :
1) إننا نقدر ونثمن القيمة اللوجستيّة والمجتمعية لمثل هذه العمليات الميدانية -من حيث الأصل العام-.
2) نعتقد بأنه كان حريّ بأجهزة الأمن العام -التي نوقرها ونكن لها كل الإحترام على مجهوداتها العظيمة-, الحفاظ على السرية المطلقة والتكتم التام قبيل البدء بهذه الحملة -وهي الأكثر درايّة منّا- بأنه من المعلوم في العرف الإستخباراتي بأن مثل هذه العمليات الموسعة بحاجة لسريّة تامة وتكتم مطلق لتحصد أكبر حصيلة من المجرمين والمطلوبين، بحيث تكون العمليات مفاجئِة حتى على جنود الأمن ولا يعلم بها إلا مرتبات الصف الأول, وإلا خسرت هذه العمليات جوهر هدفها في حال تسريبها و وصولها للعامة.
3) الإعلان بتسجيل صوتي تم تداوله من قبل العامة عبر وسائل التواصل الإجتماعي والترويج لهذه العمليات ما هو إلا ضربٌ من التبيّان غير المقبول، ونعتقد بأنه قد يساعد أصحاب الأسبقيات من المجرمين بالهرب فيتسنى لهم الإختباء لحين إنتهاء الحمله.
4) كما أسلفنا الذكر نحن نتفق تمامًا مع هذه الحملة وغيرها من الحملات الأمنية على كل من يخرج عن القانون -من حيث المبدأ-, ولكن ما هو الإجراء اللاحق الذي سيتم العمل به إزاء أولئك المجرمين من قبل مرتبات الأمن العام، هل سيتم عرضهم على القضاء أم على أصحاب العطوفة من الحكام الإداريين ..؟ -نوجزها في بندين-
- أولًا: عرض أصحاب السوابق بالذات المكررين على القضاء في حال ثبوت تهم حديثة، أو من كان منهم مطلوبًا لجهةٍ قضائية كالأحكام الغيابية عندها سوف يتم إحالته إلى مصدر طلبة. ولا نرى جفايةً أو ضيرًا في إستدعاء من وقع عليه الإعتداء من المواطنين مِن قبل جهاز الأمن العام وسؤالهم في حال أرادوا تقديم شكوى بحق هذا المجرم.
- ثانيًا: أن يتم تحويلهم إلى أصحاب العطوفة من الحكام الإداريين، ليصار هناك إلى إتخاذ الإجراءات الصحيحة سندًا لقانون منع الجرائم رقم (7) لعام 1954 , الذي منح الحاكم الإداري سلطة مرنه، -منها على سبيل المثال لا الحصر-:
أ) إصدار مذكرة استدعاء، يكلفه بمقتضاها للحضور أمامه ومسائلته عما يمكن أن يكون بمثابة إخلال بالسلم والأمن المجتمعي.
ب) و/أو فرض الإقامة الجبرية و/أو التوقيع على التعهد.
ت) و/أو التوقيف كلٌ بحسب القيود التي يحملها أو مدى خطورته على الأمن المجتمعي بحسب تصنيفات الأمن العام.
5) تأسيسًا على النقطة الرابعة وما يتمخض عنها من إجراءات والتزامات, تتطلب منّا لزامًا الوقوف عليها والتساؤل عن مدى نجاعتها في إحقاق غايات ومقاصد القانون الجزائي الذي كان أساس انطلاقتنا في هذا المقال ومهدنا به؛ فإننا نؤكد بأن علاج مثل هذه الظواهر المؤذية و "المُقلِقة" للمجتمع ككل لها طرق ووسائل أكثر نجاعة من هذه الحملات -على الرغم من أهميتها- و التي ستكون نتائجها زجّ الكثير منهم في السجون لعدّة أسابيع, ومن ثم سيتم إطلاق سراحهم بحكم القانون, ولا نجزم حقيقةً بأن مثل هذا الأمر هل سيشكل لهم رادع أم أنه سيكون سبب في المزيد من الإجرام لديهم نتيجة إزدياد وازع الإنتقام بباطنهم بعيّد خروجهم !
6) نعتقد جازمين كأهل لهذا الإختصاص بأن الحلول الجذريّة تتجلى في تعديل التشريعات الجزائية وحصر الأفعال المُجرّمة بباطن وظاهر النصوص ومن ثم تغليظ العقوبات والانفتاح بمنح الحكام الإداريين المزيد من الصلاحيات في قانون منع الجرائم فقانون منع الجرائم يعد قديم نسبيًا مقارنة بباقي التشريعات.
7) وجب علينا في هذا المقام الإشارة, إلا أن جهاز الأمن العام مشكورًا قام بتخصيص رقم خاص يمكن من خلاله إرسال أي شكاوى للمواطنين بخصوص المجرمين وأصحاب الإتاوات, إلا أننا كنّا ننتظر تطبيقًا حكوميًا أكثر حداثةً وسريّة يحفظ سريّة المواطن "المرسل" ويتكتم على هويته أكثر من تطبيق الواتساب الذي يعرض رقم المرسل وكافة بياناته الشخصية, فيؤثر على نفسية المواطن في الإبلاغ عن المجرمين, ومن هذه التطبيقات التي نوصي الحكومة الموقّرة بالبناء على شاكلتها تطبيق (Ask.FM) الذي يتيح للمرسل إرسال كافة البيانات مع اختيار الوضعية للمرسل (مجهول , معلوم) ويتم تخصيصه فقط لجهاز الأمن العام كطرف مستقبل.
أخيرًا, نؤكد بأن أي حل يجب أن يكون أساسه وعِمادة تطبيق القانون وسيادته وليس الفزعة وثورة الغضب، وننتظر من الحكومة الموقّرة , البدء بالعمل على مسودة لتعديل القوانين الجزائية وتغليظّ العقوبات فيها. وإننا إذ نختم هذه الإضاءات العامة بهذه البيت ذا المغزى والمعنى العميقين, عسى أصحاب العطوفة والسعادة في مراكز صنع القرار العليا يلتقطونها, فكثير من الدول المجاورة مشوارها إبتدأ بحفنةٍ من الزعران والبلطجية سالبي الأتاوات:
"لا تَقطَعَنَّ ذَنَبَ الأفعى وَتُرسِلَها إنّ كُنتَ شَهْمًا فَأتبِع رأسها الذَنَبَ."
حفظ الله الأردن وشعبة في ظل قيادتهِ الهاشمية المُظفرة وجنوده الأوفياء.