وقفت على مشارف جرش في لحظة تأمل تشبه الصلاة, لقد شدني وادهشني ذلك المشهد الخلاب الذي يشبه قوس قزح تفوح منه رائحة جميلة هي مزيج من العبق المتدفق من تشكيلة رائعة من الازهار البرية ورائحة الزعتر والنعناع البري تحمله نسمات مشبعة برائحة الصنوبر ...
مشهد يرد الروح وينعش الفؤاد ويعطي الربيع الاردني حقه... ولكن الحياة ليست كلها ربيع, فتعاقب الفصول مثل تعاقب الايام التي تحمل كل جديد, ومن بينها الازمات الصعبة التي تواجهها حكومة في بلد غير نفطي يعاني من قلة الامكانيات المالية التي تتطلبها احتياجات ورفاهيات العصر الحديث...
امام الحكومة ملفات تزخر بالتحديات, وازمات شائكة تتضافر الجهود للتغلب عليها وتجاوزها.. فالدنيا ربيع وسنفتح كل المواضيع ...
نعرف ان كل الحكومات في كل دول العالم تواجه مثل هذه التحديات وتعالج مثل هذه الازمات. ففي الوقت الذي اعتصمت فيه جموع المعلمين في المدارس الرسمية للمطالبة بانشاء نقابة لهم وتحسين اوضاعهم المعيشية, كانت مسيرة كبرى تشق شوارع بيروت يقودها المعلمون الرسميون مطالبين بتحسين اوضاعهم ورفع مطالب عادلة اخرى..
هذه هي الحياة, وهذا قدر العاملين في التعليم من رافعي شعار »العلم نور«, كذلك هذا هو قدر العاملين في العمل العام وفي مواقع المسؤولية عليهم مواجهة الازمات وحلها وتسهيل الحياة وتلبية احتياجات المواطن, ورفع مستوى معيشته ومنحه حقه في حياة كريمة بتأمين سكن كريم وعمل كريم لكل مواطن...
ولكن أين الخطأ, في قضية المعلمين الاردنيين, ولماذا تم التصعيد?!
هذه ليست اول قضية لفئة مهنية او اجتماعية في الاردن, ولكن هذه المرة كانت المشكلة في ادارة الازمة وفشل العمل على حلها واحتوائها بالحوار وبالعدل منذ يومها الاول...
كان بامكان الحكومة ان تسارع منذ البداية لفتح حوار مع لجنة مشكلة من المعلمين, والبحث في مشكلاتهم ومحاولة فهم مطالبهم ومناقشتهم فيها, والتوصل الى حل تسمح به الظروف الواقعية والموضوعية للبلد, بعيداً عن الاهانة او الاستفزاز أو التلويح بالعقاب.
هؤلاء المعلمون هم أهلنا, اخواننا, ابناؤنا وبناتنا وهم يشكلون شريحة مهمة من شرائج هذا المجتمع ولهم دور مهم في تعليم الاجيال من ابنائنا وتزويدهم بالمعرفة واعدادهم ليكونوا رجال المستقبل, فهم ليسوا في خندق آخر, ولا يعملون بأجندات خارجية وان كانت الحكومة تتهم بعضهم, او تخشى ان يكونوا في صفوف المعارضة, فحرية الرأي حق طبيعي شرعي ودستوري لكل مواطن...
لقد سمعت رئيس الحكومة سمير الرفاعي يعترف بسوء احوال واوضاع المعلمين ويؤكد وجوب تحسين معيشتهم واحوالهم وحل مشكلاتهم, استجابة لرغبة وتوجيهات ملكية, ولكنه ربط حل المشكلة بالاوضاع المالية والعجز في الموازنة, ما نراه هو ان لا تتوقف الحكومة عند الاحساس بالمسؤولية الاخلاقية فحسب, وان تنام ليلها الطويل تحت »يافطة عجز الموازنة« فهناك مشكلة حقيقية, وعلى الحكومة البحث عن سبل توفير المبالغ اللازمة, كما عليها ادارة الازمة وحلها بالحوار كما هو معمول فيه الآن, وبما هو معقول ومقبول...0
Kawash.m@gmail.com
ألعرب اليوم