سبحان خالق كل شيء وليس كمثله شيء , فقلد جعل غاية وجودنا في هذه الحياة الدنيا , عبادته وطاعته والفوز برضاه , وإلا فيا حسرة على دنيا وآخرة كل من أخفق في نيل رضاه تبارك وتعالى .
رضا الله سبحانه , غاية في البساطة , فلا يحتاج الأمر سوى أن تعبد الله وكأنك تراه , تؤدي العبادات بخشوع وأنت تدرك تمام الإدراك أنك إنما تقف بين يدي ملك الملوك في عملك وصلاتك , لا مجرد حركات رياضية .
رضا الله يتطلب أن تأتي الله بقلب طفل , " إلا من أتى الله بقلب سليم " , قلب يخلو من كل غل وحسد ونفاق وكذب وعنصرية وجهوية وإقليمية وكراهية وإستئثار وغش وجشع وكبر وتعال على الناس ونميمة وفتنة وظلم . أي قلب أبيض ينبض بالخير لا بالشر , قلب يرى " الله " فورا عند القول والعمل وإتخاذ القرار إن كنت صاحب سلطة ونفوذ , فيملأ الخوف قلبك إن جانبت الصواب خشية من نقمة الله وسخطه سبحانه , وحياء من الله جل جلاله لا من أحد سواه أيا كان .
هنا وبكل سعادة نفس وراحة ضمير تدرك أيها الإنسان أيا كان موقعك وزمانك , رضا الله فتأمن على نفسك ومالك وعيالك في الدنيا , وتفوز بجنة عرضها السموات والأرض بعد الرحيل المؤكد عن هذه الدنيا الغرور في ثانية لا تدري متى هيه .
أما رضا الناس ولنقل السواد منهم في هذا الزمن الأغبر ولا حول ولا قوة إلا بالله , فيتطلب منك أن تكون في قولك وعملك نقيض كل ما سبق من خصال حميدة وسجايا طيبة . مطلوب منك كي تدرك رضا سواد الناس , أن تكون منافقا وبوجهين , واحد للكافة, وآخر بغيابهم عنك , تمدح وتذم كي تصل إلى مبتغاك في الدنيا دون الآخرة , تظلم الساهين الغافلين وتضع فيهم من العيوب ما يؤهلك لمنصب أو مغنم أو جاه زائل , وتشهد بغير الحق دون أدنى خشية من " الله " وتنسى أنه جل في علاه يسمع ويرى وهو لك ولسواك بالمرصاد يمهل ولا يهمل أبدا .
هنا أنت أيها الإنسان بين خيارين , فإما أن ترضي ربك حتى لو ظلمك الآخرون وقابلوك بالسوء ومنعوا عنك خيرا هو حق لك , أو أن تجعل ديدنك رضا المتنفذين من الناس , لا رضا خالق الناس سبحانه وتعالى .
يقينا فإن كل ذي عقل سوي لن يلقي بنفسه في التهلكة بحثا عن رضا بعض الناس بحثا عن مغانم دنيوية زائفة زائلة لا محالة على حساب رضا خالق الكون العظيم ومسير أمره .
خير لك أن تلقاه جل في علاه مظلوما ,على أن تلقاه ظالما , وبمفردك في حفرة عميقة لا صديق فيها ولا قريب ولا ونيس , ليحل بك سخطه وعذابه .. فرضاه سبحانه هين يسير فيه راحة للنفس وللضمير , أما رضا الناس فغاية لا تدرك . لا حول ولا قوة إلا به سبحانه , وإن بطش ربك لشديد , وهو تعالى من وراء قصدي .