ديدن الحكومة الجديدة والواقع المطلوب
فيصل تايه
14-10-2020 08:35 AM
رغم ترقب هبات الرياح المارقة التي عصفت بحياة المواطن جراء الوضع الاقتصادي والمعاشي الصعب الذي اذاقنا المر الذي تأملنا ان يمر قبل هبات عاصفة جائحة عالمية اكلت الاخضر واليابس ولم ترحم احداً ، وما عانيناه جراء ذلك من تبعات مؤلمة ، اصبح لزاماً تحديث حقيقي يطرأ على مستوى البنية السياسية االداخلية ، وعلى مستوى القرار في الكثير من الأمور الداخلية ، فكم نحن بحاجة ماسة أكثر من اي وقت مضى الى عملية مسح لكل المعوقات الواضحة في كياننا الداخلي ، وكم نحن بحاجة ايضاً الى تعرية اسباب الانتكاسة الاقتصادية التي احدثتها جائحة كورونا ، والتمسك بأولئك الذين تتوافر لديهم القدرة على انتشال المواطن من الوضع المتأصل في بنائنا الداخلي ، وهو مستشرٍ أحياناً في بعض البنى الهامة ، فلا بد من ان نحسن اختيار المسؤول ، ولكن هل يبرز ذلك المسؤول من بيننا بحيث يمتلك مقومات سياسية قيادية قادرة على رصد الواقع من حوله بعمق..؟!.
مع الحكومة الجديدة التي ندعو لها بالتوفيق وان يلهمها الله الارادة القوية والصبر والمنعة ، وان لا تكون استكمالا لنهج سابقتها ، فالارث ثقيل ، والتحديات جسيمة ، والمرحلة شديدة الحساسية تحتاج من الحنكة والخبرة والممارسة الفاعلة الشيء اليسير ، مما يجعل المهمة ليست سهلة على الإطلاق ، خاصة ونحن نعيش تفشي كارثة انسانية واسعه لوباء لا يرحم ، وما يرافقها من تبعات صحية مؤلمة ، اضافة الى التجاذبات الاقليمية والدولية التي تتربص لتمرير مخططات تغيير خريطة المنطقة ، لذلك فان طبيعة المرحلة تضعنا أمام مسؤولياتنا الوطنية والسعي لتقديم كافة متطلبات نجاح العملية الانتخابية باستخدام كافة الوسائل المتاحة ، ما يحق لنا ومن خلال ذلك أن نكشف كل الأوراق ونراجع مسيرتنا بكل جرأة وصراحة وموضوعية ، فقد آن الأوان أن نتحلى بسعة الصدر وتعترف بالذات ، وان تمتلك الشجاعة الكافية وان لا ننكر الواقع كما هو بكل تعقيداته وتجاذباته وتناقضاته ، ونشخص جوانب الخلل بالحوار الجدي الفعال ، وبالصراحة المتناهية المرجوة ، ونتخلص ونبتعد عن الخطاب المنافق والمتذلل الذي يرمي كل المصائب على اشخاص بعينهم مدبرين غير مقبلين ، متنكرين لمسؤولياتنا ، فالباب يجب ان يفتح لكل من يساعد ويمتلك الحلول (وليشمر) عن ساعده خدمة لبلده وبما يمليه عليه ضميره ، بل ويرضى أن يكون الخادم للشعب ، ولا ولاء له غير الولاء للوطن ..
نتمنى على الحكومة الجديدة ان تتنبه الى ما يفرضه الواقع اليوم وما يحتاجه الجسم السياسي والإداري الأردني ، ذلك أن هذا الجسم يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى الى شخصيات حكومية قيادية تمتلك الارادة القويه قبل كل شئ ، أملين ان يكون الفريق الوزاري لدولة الدكتور بشر الخصاونه ديدنه العمل الجاد الفاعل ، فدعونا نتفاءل باختيار دولة الدكتور الخصاونة لاعضاء الحكومة الجديدة ، لعل الله يحدث بعد ذلك امرا ، فدولته يعي تماما ان المعطيات والوقائع والأحداث والشواهد في واقعنا برهنت اننا بحاجة ماسة الى الشخصيات الوطنية الاعتبارية الحقيقية التي تجسد حالة وطنية ناضجة وواعية ، شخصيات مصيرية ترتبط بالمستقبل الوطني المنشود ليحيط فعلها ودورها المأمول بالخير وتتحمل أعباء إرث تراكمي من المشكلات والمعضلات ، شخصيات لديها المقدرة على معالجة قضايانا الصحية والاقتصادية والمجتمعية بكل همة ومسؤولية وبصورة مباشرة تقينا شر النكوص وتجنبنا عذابات ضنك العيش ، وتقف وتتصدى لكل من يقف ضد تطلعات وأماني وطموحات كل الاردنيين في التقدم والتطور الانساني والنهوض الحضاري الشامل .
نعي تماماً ان الحكومة تمثل القلب النابض للجسم السياسي والإداري ، الذي تتوقف على حياته وسلامته حياة وسلامة مختلف أجزاء هذا الجسم ، بل حياة وسلامة كل أفراد وشرائح المجتمع ، ولنا ان نطالب الحكومة الجديده بتنحية الوجوه التي صعدت إلى المنصّة دون اثر واضح وبغير وجه حق ، تلك الوجوه التي لا تمتلك اي رصيد تخطيطي او اية قوة تنفيذية ، ونتمنّى في ظل هذه الحكومة ان ألا نستيقظ على وطن ما زالت تأكله المحسوبيات والمصالح ، فقد اعتدنا ان تبقى الكثير من الوجوه النامقة المألوفة التي تسلمت العديد من المناصب الحكومية بالمحسوبية والاسترضائية متسيدة لمناصبها ، ورسوخها كمياه راكدة أو كدماء متجلّطة ، حتى أصبحت تلك الوجوه متداولة وعصية على التغيير والخروج من مواقعها مهما تغير رأس أو هيكل الحكومة ، وكأن هذه الوجوه هي فريدة عصرها والوحيدة القادرة على قيادة وإدارة المؤسسات والأجهزة التي تتولاها ، ولا تتوافر على الساحة وجوه أخرى ودماء تضاهيها أو تفوقها كفاءة وخبرة الا من رحم ربي ، ولعل هذا الموضوع يمثل – من وجهة نظري – أحد الأسباب الرئيسية لتراجع أداء الحكومات المتعاقبه .
أنَّ الدولة الاردنية ومن خلال الحكومة الجديدة بحاجة لإعادة رسم وبلورة نمط مشروع اقتصادي و سياسي واجتماعي انقاذي ، يستجيب لتطلعات المواطنين وينقذ البلد من أزماته ، فنحن بحاجة ان نبن اقتصادًا وطنيًا منتجًا ، فإذا أرادت الحكومة الجديدة أن تنجح في مسعاها لإنقاذنا من تبعات المرحلة الماضية فعليها أن تفكر جديًا في فتح حوار وطني جاد من أجل بلورة اهداف تنمية جديدة ، وإقرارالحوكمة الرشيدة ، وترسيخ ثقة المواطن بالحكومة فقد عانينا الكثير جراء سياسات الاقصاء والمحسوبية للعديد من الكفاءات والوجوه الجادة والمتخصصة والمؤهلة تأهيلاً عالياً في العديد من المجالات التي يحتاج إليها الوطن ، والتي وللأسف الشديد لم تجد فرصتها في خدمة وطنها وإبراز مهاراتها القيادية والإدارية في قيادة وإدارة الأجهزة الحكومية المناسبة لتخصصاتها ، ولذلك إذا ما أردنا للجسم السياسي والإداري أن بنعم بصحته وعافيته وتدب في مختلف أجزائه ومفاصله الحيوية والنشاط ، ليمارس مهامه في خدمة الوطن بفاعلية ، فلا بد من رفد أجزائه ومفاصله الأساسية بدماء فاعله ووجوه جادة ونزيهة ومتخصصة ووطنية لتولي دورها ، بحيث تعمل هذه الدماء على التجديد والتطوير في بنية وهياكل وآليات عمل هذه الأجهزة والمؤسسات لتواكب روح العصر ومتغيراته المتسارعة ، وتديرها بأفكار جديدة ، وأساليب حديثة ومتطورة ، وعقول متفتحة تؤمن بالتغيير والحوار والقبول بالآخر ، والعمل الجماعي بروح الفريق الواحد ، من أجل تحقيق ما فيه الخير والتقدم والنماء لهذا الوطن الغالي.
واخيراً .. دعونا مرة اخرى نتوسم الخير بالفريق الوزاري الاستثنائي الذي نتمنى ان يكون فريقاً منسجماً ومتآلفا للعمل يداً بيد لوضع سياسات محورية قائمة على الشفافية والمصداقية والمكاشفة والمصارحة ،وتعزيز الأمن الاجتماعي والاقتصادي أولا ً، وكبح التضخُّم والعجز في ميزان السياسة المالية والنقدية ، ومواجهة تحديات الوباء ، وتوفير البيئة الاقتصادية القادرة على الخروج من بوتقة التجاذبات السفسطائية والمعيقات البينية المتراكمة حتى ننال ثقة المواطنين ، بهذا سنكون قد وضعنا أيدينا على الخلل ، وبدأنا نخطو الخطوة الراسخة الثابتة نحو الاصلاح الحقيقي ..
والله المستعان .