في سكيتش قديم للرحابنة يحضر ساعي البريد رسالة إلى أحد أبناء القرية، وبما أن الأمية كانت سائدة آنذاك، فقد طلب الرجل من ساعي البريد ان يقرأ له الرسالة، فقرأها على أساس إنها رسالة حب إلى ابنة الرجل، فأخذها الرجل إلى المعلمة التي قرأتها بشكل مغاير. تنقلت الرسالة بين أبناء القرية ولما كان الجميع أميّون فإن كل واحد منهم قرأ الرسالة حسب رغباته ومصالحه.
الدكنجي قال ان الرسالة تقول للرجل بأن يدفع ما عليه لصاحب الدكان، وكذلك فعل الخضرجي والفران وصاحب البيت.في الواقع نسيت التفاصيل، لكني أتذكر ان كل واحد من هؤلاء قرأ الرسالة على طريقته ... وضاعت الحقيقة بين الأقدام.
هكذا تضيع الحقائق في وسائل التواصل، فيضيع المواطن بين (حانا) هؤلاء و(مانا) أولئك، فلا يفهم ما حصل وما يحصل وما سوف يحصل، لدرجة أننا نحسد ذلك الرجل في سكيتش الرحابنة، إذ كانت مطالب الناس محدودة وبسيطة ويمكن أن تقوم بتنفيذها دون أن تحسر نفسك.
الضخ الإعلامي الحديث يحول الانسان الى هدف والى عنصر ينبغي تغيير جوهره بالكامل حسب رغبات وأهداف من يسيطرون على وسائل التواصل بكامل أنواعها وتصنيفاتها.
نعيش مرحلة تصنيع الإنسان وإعادة تدويره(حيّا) وتحويل من (أ) الى (ب) الى (ج) وإعادته كما كان حسب الرغبة والمزاج والمصلحة.
لا بل وصلنا الى مرحلة يتحول فيها الإنسان الى مُنتَج يمكن اعارته وبيعه لصالح الشركات الكبرى، ويمكن تعديل سلوكه ليشتري هذا السلعة بالذات وتلك السيارة بالتحديد، ويمكن تحويله الى مؤيد أو معارض، الى يساري او يميني أو قومي أو او او.
الإنسان العصري يعيش في مرحلة إعادة تدوير دائمة ونيّال من يستطيع الخروج من هذه الدوامة، ولو لعدة دقائق لالتقاط الأنفاس فقط لا غير.
الدستور