حكومة الخصاونة: ظرف استثنائي وإرث ثقيل
د. زيد نوايسة
13-10-2020 12:49 AM
الحكومة الثانية بعد المائة في عمر الدولة هي حكومة استثنائية ومختلفة وإن جاءت كاستحقاق دستوري بعد حل مجلس النواب الثامن عشر في تأكيد على قدسية إنفاذ الدستور بالرغم من صعوبة الظرف وضخامة التحديات الوبائية والاقتصادية والسياسية التي تقع تحت وطأتها البلاد.
عبر مائة عام من التأسيس، تعرض الأردن لتحديات كبيرة معظمها كان مرتبطا بالقضية الفلسطينية وكانت مصدر القلق الدائم ولكن منذ العام 1989 رافق ذلك أزمة اقتصادية ساهمت في إحداث تحولات عميقة، لكن هذه الحكومة تواجه بالإضافة للتحديات الاقتصادية والسياسية تحديا كبيرا هو وباء كورونا الذي يترنح العالم تحت ضرباته.
على خلاف السائد في منح الحكومات بالعادة فترة مائة يوم لتقييم ادائها من قبل مراكز دراسات قياس الرأي، تجد حكومة الدكتور بشر الخصاونة نفسها منذ اليوم تحت انظار الناس الفاحصة ووطأة القلق التي تسيطر عليهم بفعل الجائحة وهي مضطرة للاشتباك مع ملفات كبيرة ومعقدة تركتها الحكومات السابقة تتراكم حتى وصلت للذروة.
الانطباع الأولي عن التشكيلة الحكومية وهي مؤشر أساسي في ذهنية الناس، أن الرئيس نجح في تجنب المطبات التي وقعت فيها الحكومة السابقة، إذ يبدو أن استعانته بشخصيات وازنة ودبلوماسيين مخضرمين وأكاديميين أكفاء رسالة مطمئنة، لكن هذا لا يكفي على أهميته فلقد علمتنا التجارب أن الرصيد قد يتآكل لأن الحكومات ومنها بالتأكيد هذه الحكومة مضطرة لاتخاذ قرارات كبيرة بالضرورة وقد تكون غير شعبية.
استبعاد فريق التأزيم في الحكومة السابقة يسجل في رصيد الرئيس وهو استهلال ذكي وموفق ولكن الاستدراك هنا ضروري لتذكير بعض القادمين الجدد للوزارة ألا يقعوا في فخ النرجسية القاتل فالوزير هو خادم للشعب وأقسم على ذلك.
خروج بعض الوزراء الذين تركوا رصيدا كبيراً من الانجاز والاحترام والتقدير وأبرزهم معالي السيد أمجد العضايلة شكل مفاجأة فيما كان متوقعا خروج وزير يتربع على موقعه تقريبا منذ أربعة عشر عاما ولا يمكن اعتبار بقائه من ضرورات التوازنات والانجاز ولكن بالتأكيد أن أهل مكة أدرى بشعابها.
صحيح أن أي تشكيلة حكومية مهما برع الرئيس في اختيارها لن تنال رضى الجميع وهذا طقس فلكلوري معروف، لكن المهم مراعاة الكفاءة والتوازنات التي تحكم المجتمع، ويقيني أن الرئيس تمكن من عبور هذا المعيار بشكل مريح.
التركة كبيرة ولم يسبق لحكومة عبر تاريخ الدولة أن ألقي في حضنها مديونية تتجاوز الناتج الإجمالي المحلي وتراجعت إيراداتها خمسين بالمائة وارتفعت معدلات البطالة لمستويات غير مسبوقة وتراجع النمو وربما تتراجع المساعدات وهي تستعد لتقديم موازنة عامة للعام القادم 2021 ستكون قطعا مختلفة بشكل كبير والأصعب مآلات الوباء والى أين سيأخذنا.
جمعتني شخصيا لقاءات عديدة مع الدكتور بشر الخصاونة في السنتين الأخيرتين ولست هنا في معرض التقييم، انطباعاتي هي، تواضعه وتهذيبه العالي، قراءته الدقيقة للمشهد السياسي المحلي والعربي والدولي ومعرفته أدق التفاصيل الداخلية وحرصه على الاستماع للرأي الآخر والحوار معه تحت سقف المصلحة الجامعة للدولة والولاء لمؤسسة العرش، دون أجندة شخصية وتخندق مع هذا التيار أو ذاك.
يعزز ذلك مسيرة مهنية محترمة يشهد بها كل من عمل معه دبلوماسياً ووزيراً متميزاً ومستشاراً اميناً وموضع ثقة الملك، اما سيرته الشخصية فلم تطالها أي شائبة بالمطلق عبر تاريخه.
هي مرحلة مختلفة، المسؤوليات فيها كبيرة لتحقيق انجاز في المجال الصحي ومكافحة الوباء والمواءمة بين صحة الناس وديمومة مصادر رزقهم وإنعاش الاقتصاد وتنفيذ كتاب التكليف، وأحسب متيقنا أن الرئيس وفريقه لن يألو جهداً في تحقيق ذلك.
الغد