بات ملف كورونا والتعامل معه شأنا سياسيا ضاغطا داخل غالبية الدول. المعارضة والناقدون يجدون فيه موسما مواتيا لتكثيف الهجوم على أداء الحكومات واخطائها، وهي كثيرة وبائنة بالنظر لطبيعة الوباء وعدم خبرة دول العالم بالتعامل معه. دول اوروبا واميركا وآسيا والشرق الاوسط تشهد سجالا سياسيا مكثفا حول التعامل مع الوباء، يرافقه اتهامات ودفاعات متبادلة. الكلمة المفتاحية او الشيء الرئيس الذي تتمحور حوله هذه السجالات هو “التوازن” بالقرارات ما بين الصحي والاقتصادي، والنقد ونقيضه يسعيان لتبيان كيف ان سياسة او قرارا ما حاد عن هذا التوازن فضحى بالاقتصاد لحساب الصحة او اعلى من اهمية البعد الصحي ضاربا بالاقتصاد عرض الحائط. إحداث التوازن ليس بالمهمة اليسيرة، ولكنها ضرورة ملحة لأن الإخلال بها تكلفته إما صحة الناس او جيوبهم وهذان خياران قاسيان لا يرحمان.
الأردن ليس بالمعزل عن هذا الجدل فنحن نواجه هذه المعضلة ايضا، وقد بدأ أنين المواطنين يعلو جراء اجراءات الحظر السابقة والحالية، التي تؤثر مباشرة على معيشتهم القاسية اصلا بسبب ظروف البلد الاقتصادية. الناس تقول اننا نتحمل الاصابة بالفيروس والمقامرة بحظوظنا بالشفاء او الاعتلال ونفضل ذلك على ألا نجد قوت يومنا، هذه مقاربة صحيحة ومنطقية على قساوتها وظلمها. ما يزيد الشعور بالبلاء بالأردن، أن الأغلبية للآن غير مقتنعة بإجراءات الحظر تراها ارتجالية، ومعهم كل الحق بذلك فلم يشرح احد لهم للآن فائدتها الصحية، ولماذا نتحمل الضرر الاقتصادي بسببها، ويرون أيضا ان الاكتظاظ الذي يسبق الحظر يزيل اي فائدة مرجوة منه، فينتشر بسبب الاكتظاظ الفيروس بقدر اكبر مما قد يسيطر عليه بالحظر.
يؤمل من الحكومة الجديدة ان تجد مقاربة تختلف عن السابق تحدث توازنا حقيقيا ما بين الصحي من جهة والاقتصادي والتعليمي من اخرى، لاسيما أننا اعلنا الدخول في مرحلة التفشي المجتمعي، الذي معناه اننا قبلنا ان ينتشر الفيروس بيننا وعلينا التعايش مع ذلك وقبوله، وهذا لا يتم دون ان نسمح للاقتصاد بالاستمرار بالعمل، وان نمكن الناس من ان تعتاش وتسترزق من اجل ان تعيل افراد أسرها. قد يكون هذا الامر هو الاكثر إلحاحا والمطلوب الفوري من الحكومة. على صناع القرار ان يدركوا ان المجتمع يعيش في ضنك اقتصادي ومالي شديد، وان الفيروس أرحم عشرات المرات من مرارة الفقر والعوز. عليهم ان يدركوا أننا دولة تعاني اقتصاديا وذات موارد محدودة جدا لذا فالقرار الصحي معني وملزم وطنيا ان يراعي اوضاع الاقتصاد، لقد مس الناس الضرر من جراء الاغلاقات والقرارات الاعتباطية غير المنسقة، لذا فالواجب الانتباه لذلك والتركيز على احداث التوازن بين الاقتصادي والصحي، واستعادة ثقة الناس بهذا التوازن حتى يظهروا قدرا اكبر من الالتزام بالإجراءات الوقائية الصحية، فقد تركوها وأهملوها بعد ان فقدوا الثقة بالقرار وبالتوازن ورأوا بأم اعينهم التخبط الصحي الذي أثر على كثير من القطاعات ونال من جيوب الناس.
الغد