« نختلف حول التفاصيل، لا بأس، لكن لا يجوز أن نختلف في القضايا التي تمثل المصالح العليا للدولة « هذه العبارة ليست من عندي، من قالها هو الرئيس الجديد بشر الخصاونة في سياق حديث طويل عن « الاستقواء على الدولة «، لكنها تشكل «الشيفرة» السياسية التي يمكن فكها للتعرف على شخصية الرجل واتجاه بوصلة الحكومة التي يتولى رئاستها.
حين دققت في هذه العبارة وسياقاتها، وجدت أن المرحلة القادمة ستكون حافلة بالاستحقاقات الداخلية والخارجية، وجدت أيضا أن التفاصيل التي يمكن الاختلاف فيها أكثر من أن تحصى، لكن ماذا عن القضايا « الكبرى « التي لا يجوز أن نختلف عليها، او تحتاج إلى توافقات وطنية عابرة للنقاشات العامة أو ممنوع الاشتباك حولها ؟ وجدت ثالثا أن الرجل كان بمنتهى الحزم وهو يقولها وبمنتهى الجدية أيضا.
قلت : الحزم والجدية، نعم، هاتان السمتان اللتان انطبعت بهما شخصية الخصاونة، على الرغم من « الدفء « العام الذي يشعر به من يسمعه، أتوقع أن تكونا واضحتين في مسار العمل الحكومي في الفترة القادمة، ليس فقط لمواجهة « الملفات « الصعبة التي ما زالت معلقة بلا إجابات، كملف كورونا والصحة والاقتصاد والإدارة العامة والتعليم..الخ، وإنما أيضا لشد « براغي « مؤسسات الدولة ودفع عجلتها إلى الأمام.
هذا مجرد استدراك، لكن ماذا عن «القضايا « الكبرى التي أشرت إليها سلفا، اعتذر عن تسجيل « الأمثلة « التي أوردها الخصاونة، فانا لم استأذنه بالنشر، هنا اجتهد وأشير إلى بعض الأمثلة التي ربما تشكل « منعطفات» في المرحلة القادمة، أو إن شئت امتحانات للحكومة في تعاطيها مع استحقاقاتها أو مفاجآتها ،من منطق « الحزم « أو « ممنوع « الاختلاف حولها.
خذ مثلا قضية « المعلمين « التي أصبحت بيد القضاء الآن، - هذه في تقديري - ستكون محسومة باتجاه « إغلاق « الملف سياسيا وإداريا، فلا عودة لمجلس النقابة المنحل إلا بقرار قضائي، ولا مجال يسمح « بالتصعيد « وإذا حدث فأدوات الدولة جاهزة لمحاصرته، والحكومة - على ما يبدو - مطمئنة لذلك لان ما حدث تم إدراجه في سياق « الاستقواء « على الدولة وهو من « الممنوعات « أيضا.
خذ مثلا آخر، مصير جماعة « الإخوان « المسلمين، هذه الملف أيضا تم حسمه قضائيا، ومن المتوقع أن يتجدد الحديث عنه بعد انتهاء موسم الانتخابات البرلمانية ووصول مرشحي حزب « الجبهة « الفائزين إلى البرلمان، في تقديري أن الملف سيحسم سياسيا أيضا، وان الحكومة « ستغلقه « بحيث تخرج « الجماعة « من دائرة الفعل السياسي وتبقى في دائرة الفعل الاجتماعي «كعشيرة فقط «، واعتقد أن إشهار «نعي» الجماعة سيتم تحت عنوان « منع الاستقواء على الدولة « أو وضع حد للتغلغل في مفاصلها الإدارية والسياسية من أي جهة كانت.
لدي أمثلة أخرى، مثل تداعيات صفقة القرون وما جرى بعدها، والعلاقات الأردنية مع العمق العربي ( مصر والخليج تحديدا )، والتحالفات والمشروعات التي تجري في المنطقة والإقليم، هذه أيضا ستشهد في عهد حكومة الخصاونة تحولات وستكون ضمن « اجندة « القضايا التي تحتاج الى « توافقات « خارج اطار « اختلاف « المزايدات.
الدستور