المعيار الدستوري في اختيار الوزراء
عبد الكريم محسن ابو دلو
11-10-2020 02:20 PM
تشهد الدولة الأردنية حاليا تشكيل حكومة جديدة برئاسة الدكتور بشر الخصاونة، الذي كلفه جلالة الملك بتأليفها نتيجة الاستحقاق الدستوري باستقالة حكومة الدكتور عمر الرزاز إثر حل مجلس النواب الثامن عشر.
وإذ وجّـه جلالة الملك رئيس الوزراء في كتاب التكليف الملكي إلى اختيار فريقه الوزاري من القيادات الكفؤة والمتميزة القادرة على حمل المسؤولية الدستورية، يدور التساؤل حول ثمـة معيار دستوري في اختيار الوزراء؟
تاريخيا، اختلفت المدارس الدستورية في اختيار الوزراء وفق معايير متعددة، أهما (أولا) المعيار الشخصي بوصفه من أقدم المعايير الحاكمة لمنهجية اختيار الوزراء وتشكيل الحكومات، نشأ في حضن النظام البرلماني البريطاني ويقوم على اختيار الملك رئيس الوزراء والوزراء على أساس الثقة الشخصية.
و(ثانيا) المعيار السياسي، إذ يُكلف رئيس حزب سياسي معين بتشكيل الحكومة. ففي الدول ثنائية الحزبية يـُعهد لرئيس حزب الأغلبية بالبرلمان بتشكيل الحكومة ويختار وزرائه من حزبه الحاكم، وقد يتحالف مع غيره من الأحزاب القريبة من توجهاته باختيار بعض الوزراء، بما يضمن الحصول على ثقة البرلمان. أما في الدول متعددة الحزبية، فتتم مداولات بين الأحزاب الفائزة لتكليف أحد قادتها لتشكيل الحكومة من أعضاء هذه الأحزاب.
أردنيـا، يقوم النظام الدستوري على إناطـة السلطة التنفيذية بجلالة الملك، ويتولاها جلالته بواسطة وزرائه وفق أحكام الدستور. وانطلاقا من هذا الأساس، أسندت المادة 35 من الدستور لجلالة الملك صلاحية تعيين رئيس الوزراء وإقالته وقبول استقالته، وصلاحية تعيين الوزراء وإقالتهم وقبول استقالتهم بناءً على تنسيب رئيس الوزراء. ولم يشترط الدستور بمن يلي منصب الوزارة إلا أن يكون أردنيا، وزاد على ذلك قانون الجنسية الأردنية مضي عشر سنوات على اكتساب الشخص الجنسية الأردنية.
يـُدلّ ذلك إلى تبني الدستور الأردني المعيار الشخصي في اختيار رئيس الوزراء من قبل جلالة الملك، استنادا إلى اعتبارات الثقة والقدرة والكفاءة على أداء مهام رئيس الوزراء الدستورية وفق متطلبات المرحلة التي تُشكّل الحكومة فيها. ويتمتع رئيس الوزراء بسلطة دستورية «تقديرية» في اختيار الوزراء الذين سيتشاركون معه بتحمل عبء المسؤولية في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية وإدارة شؤون وزاراتهم، الذي يتحدد عددهم حسب الحاجة والمصلحة العامة، ومن فـمّ التنسيب لجلالة الملك صاحب الإرادة الدستورية بتعيينهم، وكذلك مراقبتهم وإعفائهم من مناصبهم الوزارية.
عمليا، إن عملية اختيار رئيس الوزراء والوزراء في الأردن وفق المعيار الشخصي أكثر تعقيدا منها وفق المعيار السياسي. حيث يسهل في الدول ذات النظم البرلمانية الحزبية اختيار رئيس الوزراء من حزب الأغلبية، والذي بدوره يختار الوزراء من حزبه، إذ يكون لديه المعرفة الكافية بهم وبكفاءاتهم السياسية والقيادية، أو من الأحزاب المتآلفة مع حزبه بناءً على ترشيح رئيس كل حزب.
يترسـخ العمل بالمعيار الشخصي في تشكيل الحكومات الأردنية، نظرا لعدم تكريس العمل الحزبي في البرلمان الأردني، إذ تحصد الأحزاب
السياسي عدد محدود من مقاعد مجلس النواب بشكل لا يمكن بظلّه التوجه نحو تشكيل الحكومات الحزبية وفق المعيار السياسي، مما يضع تحديات كبيرة في عملية اختيار شخص رئيس الوزراء.
لذلـك، يتطلب تشكيل الحكومة في الأردن تقاليد معينة وبعضا من الوقت، يُجري خلاله رئيس الوزراء المكلف مشاوراته مع مختلف السلطات الدستورية والجهات السياسية، ومراجعة السير الذاتية لمختلف المرشحين لموقع الوزارة والبحث في كفاياتهم ومؤهلاتهم وقدراتهم السياسية والقيادية والتخصصية وغيرها من الاعتبارات، بالإضافة إلى الحرص على مراعاة التنوع الجغرافي والحضور الديني والنسائي في تشكيل الحكومة، درءا لأي شعور بالتهميش.
وهذه المنهجية في اختيار الوزراء هي التي تحتّـم إجراء التعديلات بالنسبة للوزراء الذين لا يحققون الأهداف المطلوبة، بما يضمن انسجام الفريق الوزاري في تحقيق مهامه الدستــورية بإدارة شؤون الدولـة.