لافت الغضب الذي يستبد بزعيم حزب الدعوة الاسلامية و»رأس» ائتلاف دولة القانون نوري المالكي, بعد أن بات نزوله عن «المنصة» مؤكداً وليس مجرد احتمال تفرضه لعبة الاصطفافات الدائرة الان, حتى قبل اعلان النتائج النهائية لانتخابات السابع من اذار, التي يبدو انها شكـّلت فاصلاً من مرحلتين..
لن يخرج نوري المالكي من المشهد السياسي كاملاً, لكنه لن يكون صاحب دور مؤثر, حتى لو جلس في مقاعد المعارضة مستنداً الى كتلة برلمانية «كبيرة», والشواهد على ذلك عديدة ليس اقلها «الحراك» الذي يبديه خصومه في سبيل انضاج تحالفات تحول دون عودته الى منصبه وتـُحدث قطيعة مع نهج المحاصصة الطائفية والمذهبية والتفرد بالسلطة, الذي ميّز السنوات الاربع التي قضاها المالكي في موقعه, وخصوصاً أن حكومته الراهنة باتت من لون واحد, حتى لو شاركت فيها بعض الوجوه والشخصيات غير المؤثرة واحتفظ التحالف الكردستاني بحقائبه الوزارية..
هل قلنا التحالف الكردستاني؟.
نعم, فاللافت ايضاً تلك الدعوة المماثلة لدعوة المالكي, التي وجهها الرئيس العراقي جلال طالباني, بإعادة فرز نتائج الانتخابات يدوياً, تحت طائلة التلويح بعودة العنف والفوضى في العراق, وهو ما قاله المالكي في وضوح ومباشرة, ما يعني أن مسألة تداول السلطة على نحو سلمي, التي اعتبرتها ادارة بوش احدى اكبر انجازاتها (...) قد انهارت ولم تعمر طويلاً (بافتراض ان انتخابات 2006 كانت موعد ولادتها القيسرية)..
المالكي الذي اصيب بصدمة لم يفق منها بعد, وضع تهديده موضع التنفيذ فتم «إخراج» مظاهرات تندد بموقف مفوضية الانتخابات, ما يعكس رغبته في ارسال رسالة واضحة الى الاميركيين والى خصومه, بأنه لن ينزل عن «المنصة» طواعية وانه مصّر على التصعيد, وهنا هو يجد له حليفاً آخر يشاركه طلب اعادة الفرز, هو رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني, الذي يبدو هو الاخر احد الخاسرين في الانتخابات الحالية, الامر الذي قد ينذر باندلاع ازمة سياسية مرشحة لأن تأخذ ابعاداً أكثر خطورة, اذا ما ترافقت التطورات العراقية المتلاحقة (تداعيات نتائج الانتخابات) بتصاعد الازمة الاقليمية الراهنة الان على المسارين الايراني واللبناني (لا تنسوا المسار السوري), ما يضع الأمور كلها في مربع خلط الاوراق..
ربما يكون للمالكي مبرراته بما هو زعيم حزب لا يؤمن بالديمقراطية ولا يعترف بشيء اسمه التعددية, بل هو لا يولي أهمية لمبدأ تداول السلطة على نحو سلمي, ناهيك عن الغرور والجنوح نحو الديكتاتورية الذي سيّطر على سلوكه «السلطوي» ورغبته غير المحدودة بالبقاء في موقعه لمدة مفتوحة.. غير أن رجلاً في تجربة ومكانة وثقافة جلال طالباني المحامي والمثقف والمناصر للديمقراطية وحقوق الانسان, يصعد الى شجرة المالكي العالية, يزيد من خيبة الامل بأن القوى «الديمقراطية» في العراق الجديد لم تنس شيئاً وخصوصاً انها لم تتعلم شيئاً..
فالكيدية وتصفية الحسابات هي التي تحكم سلوك الرجلين, فالمالكي الذي تآمر على ابراهيم الجعفري و»غدر» بمن كانوا «بيضة القبان» في تصعيده الى موقعه (اقصد التيار الصدري) وهو الذي افتعل المعارك مع سوريا والعربية السعودية ومعظم العرب, هاله ان يأتي اياد علاوي رغم أن الاخير ليس خارج عضوية «النادي» الذي تشكل في ظل الاحتلال, لكنه – ربما – كان أكثر قدرة وحكمة في استيعاب دروس السنوات السبع العجاف التي مر بها العراق, فرغب في لعب دور مغاير أو مختلف ولو نسبياً عن ذلك الدور الذي لعبه في الاشهر التي تلت الاحتلال وكان دوراً كارثياً بكل معنى الكلمة..
الرئيس طالباني الذي كان احد الموقعين على وثيقة الغاء عقوبة الاعدام عالمياً, وقع في الفخ ذاته بعد أن صدمه بروز قائمة نشيروان مصطفى «التغيير», أو كوران بالكردية, بعد أن حقق الأخير نتائج طيبة ومثيرة في انتخابات مجلس نواب اقليم كردستان, فاختار (طالباني) الاعتراض والمطالبة باعادة الفرز, فيما بدا لافتاً أن مسعود برزاني حليفه القوي, لم يشاركه هذه الدعوة لأن حزب برزاني بقي الاول فيما «سحب» نشيروان من رصيد طالباني واحتفظ الاسلاميون «الاكراد» بتمثيلهم ايضاً..
التهديد باستعمال القوات المسلحة (...) او تحريك خلايا حزب الدعوة النائمة لن يغير من النتائج كثيراً, الا أنه يعكس الوهم الذي سوّقه من جاءوا على دبابات الاحتلال الاميركي البريطاني, بأنهم يريدون طي صفحة الديكتاتورية وان العراق الجديد سيكون ابداً ديمقراطياً..
إسألوا المالكي.. اذاً؟.
Kharroub@jpf.com.jo
الراي.