على سبيل الطرفة الأقرب إلى الدعابة, يتداول بعض الأردنيين أحيانا , حكاية عن أردني قادته حاجة ما إلى الذهاب من محافظته إلى محافظة أخرى , وهناك حصل معه حادث سير بسيط تطلب منه وكالعادة , الإستعانة برجل من نمط أولئك الرجال أصحاب الحضور البارز في مجتمعاتهم لمساعدته في حل القضية إجتماعيا وفقا لعاداتنا المتوارثة المعروفة.
توقف الرجل بمركبته عند أحد المارة وسأله أن يدله على رجل من تلك الشاكلة , وهنا صعد الرجل المار إلى جانبه وطلب منه المسير كي يدله على ضالته , وبعد مسير قليل وصل الرجلان إلى " مقبرة " , إستغرب طالب المساعدة وظن أن الرجل الآخر غير سوي , فسأله ما هذا؟.
أجابه رفيقه , أنا لا أسخر منك , سألتني عن نوعية من الرجال فكاكين النشب , وهنا هو مكانهم , فلقد رحلوا جميعا ولم يبق منهم أحد , وإذا ما أردت أي رجل عادي آخر , فأنا وأي أحد تجده في الشارع , سيقول لك أنا ولا أحد غيري !.
تلك طرفة يتندر بها بعض الأردنيين في زمن تغولت فيه " الأنا " كثيرا إلى الحد الذي حدا بالرجال الذين يختشون من ربهم ومن أنفسهم ويلف الحياء حياتهم , إلى الركون لمقولة سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم إذ يقول " إحفظ عليك لسانك , وليتسع بيتك , وإبك على خطيئتك".
وبعد : لا ما زالت الدنيا بخير وما زال الأردن بخير أيضا إنسجاما مع قوله صلوات الله وسلامه عليه " الخير باق في وفي أمتي إلى يوم الدين " .
وبعد أيضا : لا , الأردن مليء والحمد لله بقادة رأي عام لهم تقديرهم وإحترامهم في مجتمعاتهم , كلمتهم تقدر وتحترم من غالبية القوم لصفات طيبة فيهم وفي سلوكهم .
دليلنا على ذلك بسيط جدا , فحيثما ذهبت وسألت في أي قرية أو مخيم أو بادية أو مدينة على إمتداد خارطة الأردن عن رجال من ذلك النوع , ستجد صادقين يدلونك عليهم , وهم رجال لا يخلو منهم حي أو تجمع سكاني أنى كان .
أنا لا أتحدث ومع إحترامي لجميع الأردنيين ومن كل المشارب , عن أحزاب أو نقابات أو أية هيئات تمثيلية مشابهة , أتحدث عن أناس عاديين لو قدر لهم التجمع في هيئة عامة , لشكلوا وبلا منازع , قادة رأي عام وبجدارة.
قبل أن أغادر , الدولة بشها الرسمي لا تصنع قادة رأي عام بقرار , لا , قادة الرأي العام الحقيقيون تصنعهم مجتمعاتهم طبيعيا وفطريا لقناعات بأنهم متميزون عن سواهم , وبأن المصالح العامة والعليا للبلاد وللعباد , تتقدم عندهم على مصالحهم الدنيوية الخاصة , ولهذا إكتسبوا صفة قادة رأي عام في مجتمعاتهم الصغيرة والكبيرة على حد سواء .
الأردن ثري برجاله لا بمقدراته المادية , والتاريخ خير شاهد , ومائة عام مرت من عمر الدولة , كلها تنطق بذلك صباحا ومساء وبلا تردد . أختم بحكمة خاصة تقول " من يكبر الصغار يألم , ومن يحاول تصغير الكبار يندم " , وهي حكمة نصيحة خالصة لوجه الله أسهبت في شرحها في مقال سابق, والتجربة أكبر برهان وفيها عبرة وعظة. الله وحده جل في علاه من وراء قصدي.