قرية سوف: حضارة تمتد إلى جذور ما قبل الميلاد
أيهم العتوم
10-10-2020 03:21 PM
على بعد 50 كم من العاصمة عمان في محافظة جرش، تقع قرية سوف التي يقطنها ما يزيد عن 50 الف نسمة، وتعود نشأتها إلى 50 قبل الميلاد، وبناها احد قادة الاسكندر المقدوني.
تشكلت القرية على التجمعات الزراعية لكثرة الينابيع فيها، فقد سكن الكنعانيون في وادي سوف الذي يشتهر بالعديد من الينابيع مثل ” المغاسل“ و الفوار“، بحسب ما يقول سالم آبو دوخي الباحث في تاريخ المنطقة، مما ساعد في زراعة العديد من المنتجات مثل الزيتون والعنب والرمان والقمح والشعير وغيرها.
ويرى أبو دوخي أن قرية سوف تعود تسميتها الى السريانية ” ياسوف“ وتعني الحد الفاصل او المنتجع، ويقطنها العديد من العشائر مثل العتوم وبني مصطفى و البطارسة والقواقزة والعضيبات والصمادي والبوريني.
ويقول إن القرية كانت وجهة سياسية هامة في فترة العشرينات، إذ عقد فيها أول صلح عشائري بين عشيرة المومني وعشائر العتوم إثر خلافٍ تاريخي، مشيراً إلى أن الملك عبدالله المؤسس وملوك الهواشم في سوريا والعراق كانو يقصدونها، وإلى جانب العديد من الشخصيات الهامة الأخرى مثل الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي.
ويتابع الباحث ابو دوخي ”أن سوف التي تغيث الملهوف وتحمي الضعيف“ كان لها دور محوري في العديدمن الأحداث السياسية في المنطقة، وأهمها فتح أول سفارة فلسطينية في الأردن بالقرية، عندما جاء الثائر أبو كباري من نابلس بهدف دعم الثوار في فلسطين وإمدادهم بالسلاح والمؤن، وجمعه من سوريا والعراق وإرساله للمقاومة.
قرية سوف فيها العديد من المعالم مثل المقامات الدينية، كمقامي ”بن الأدهم“ و”شيخ غنام“ وأيضاً قصر علي باشا العتوم الذي يمتاز بطرازه المعماري العثماني والذي شهد زيارة الكثير من الباشوات والشيوخ ورجال السياسة والأدباء، فقد زاره الملك فيصل والشاه محمد رضا بهلوي الذي استضافه سمو الأمير عبدالله رحمة الله فيه، وزاره ايضا المندوب البريطاني على فلسطين.
وتشتهر سوف أيضاً بوجود كنائس في منطقة البرج التي حصلت على إسمها من برج الكنيسة، كما تحتوي على العديد من الخرب البيزنطية والرومانية منها خربة سوف وخربة السبطة وخربة دير عامود حيث توجد فيها أراضٍ فسيفسائية يرجع أصلها إلى العصرين الروماني والبيزنطي.
ومن العادات والتقاليد التي يجدر ذكرها، والتي ما زال معمولاً بها إلى يومنا هذا، حب الناس لبعضهم وتوادهم وتراحمهم في الأعراس أو بيوت العزاء، قد يتعاون فيها كل أهالي سوف من باب التكافل والمسؤولية الإجتماعية.
ويذكر أبو دوخي على وجه الخصوص ما يعرف ”بالمنوحة“، وهي عبارة عن إرسال عدد من الأغنام لمن لا يمتلكون الأغنام لتأمين مونة أطفالهم من اللبن واللبنة والسمن البلدي واللبن ”المخيض“ استعداداً للشتاء.
كما أن هناك تقليد آخر، ”القضية“ وهو عبارة عن ترك بعض كروم العنب وأشجار التين ليقطفها من لايملك بستاناً ليؤمن احتياجاته من الزبيب والقطين.
سابقاً، حسب ابو دوخي، كانت سيدة الأكلات في القرية ”الثريد“ وهي عبارة عن الخبز المخلوط مع المرقة واللحم.
ولكن اليوم يحتل ”المنسف“ هذه المرتبة الرفعية، والذي يعتبر رمزاً لإكرام الضيف حيث يعده الاهالي عند قدوم ضيف وله العديد من الاشكال مثل المنسف بالرز أو البرغل أو الفريكة مع اللحمة وخبز الشراك.
ومن الأكلات الأخرى، ما يسمى ”الهيطلية“ وهي الرز مع النشا والحليب، و“البحته“ وهي الرز مع الحليب، و“الحلوية“ وهي السميد مع الحليب و“الجريش" السميد مع اللبن ”المخيض“، والحريرة.
ويقول ابو دوخي، إن أهالي سوف مشهورون بصناعة الألبان والزراعة وإنتاج ”القطين و“الخبيصة“و“الزبيب“ وتفرع من هذه الصناعات العديد من الأكلات مثل ”المدقوق“حيث يدق الزبيب مع القريش والجوز والبطم“، ليستخدم كطعام بالشتاء.
ولم تزل صناعة الفخار والصابون البلدي من الأعمال التي لم تندثر حتى وقتنا الحاضر. هذا إلى جانب وجود معاصر الزيت القديمة.
تشتهر سيدات القرية بتطريز الثياب وأهمها الثوب السوفاني الذي له تطريزات مختلفة مثل”المردوف“و“المرقوم“و“الحروز وأيضاً ”الدامر“ وهو جاكيت ثقيل يتم ارتدائه في فصل الشتاء.
تشتهر سوف“بالتعاليل" التي تبدأ مع آذان المغرب. فإن تواجدت الربابة فأهل سوف يطربون لها ويسمعون القصص القديمة والقصائد أو يتسلون بالألعاب التقليدية، وأشهر لعبة تراثية ”الشدة، الباصرة“ و“المنقلة“ يذكر زنها لعبة نهارية.
وبالرغم من التقدم الحاصل، فإن قرية ”سوف“ ما تزال ذات رونق ثقافي وحضاري يخطف الأنظار، مما يجعلها وجهه سياحية للاستجمام والنقاهة.