سلسلة تاريخ الحكومات الأردنية على امتداد نصف قرن6
د.هايل الدهيسات
22-03-2010 12:03 PM
"إن كوني ملكاً للأردن يعني أن أتولى العناية والاهتمام بكل شيء بشغف وكلف وحماسة وما زالت جميع القطاعات وأسباب تطويرها وتنميتها محل اهتمامي اليومي، فأطلب من أجلها التقرير تلو التقرير وأقابل المسئولين، وأقوم بالزيارات المفاجئة.. وهكذا يصور لنا الملك الحسين بن طلال رحمه الله المشهد السياسي والاقتصادي قائلاً:
إن خطط التنمية لدينا موجودة هنا للتنبؤ، ولتقديم الخطوط العريضة لأردن المستقبل، وأن ما يعتد به في نظري هو الأرقام الباردة التي لا تتأثر بالميول والأهواء، الأرقام الدقيقة، لقد ازداد دخلنا القومي مقدار 60% بين عامي 1954 و 1959، وفي فجر حرب حزيران 1967 بلغ ثلاثة أضعاف ما كان عليه في عام 1954 كل شيء قد انطلق من الستينات، سواء في ذلك تطورنا الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي".
كان للوطن ولأبناء الوطن في تاريخ الأردن الحديث تجارب سياسية عديدة مع موجات التحديات الداخلية منها والخارجية، كانت تجارب في مستوى المسؤوليات التاريخية الجسيمة التي تتصدى لحملها أكتاف قوية، وصدور مستعدة لتلقي الصدمات، وهامات مشرئبة كالطود، لا تعرف قاعدة للتخلي عن مواقعها.
ومن بين هؤلاء الرجال.. "وصفي التل" النجل الأكبر لشاعر الأردن مصطفى وهبي التل (عرار). حيث كان قد أنهى أبوه دراسته في دمشق والتحق بقطاع التعليم في العراق، حيث قضى وصفي بعض طفولته مع أمه السيدة "منيفة" في شمال العراق ليعود إلى مدينة والده إربد بعد بلوغه السادسة من العمر، وكان وصفي التل أحد أهم الشخصيات الرئيسية التي ساهمت في بناء الأردن الحضاري في عقد الستينيات من القرن المنصرم على الرغم من التحديات التي واجهة الأردن في هذه المرحلة من التحول.
أما في عهد جلالة الملك الحسين بن طلال كان قد شكـَّل الرئيس وصفي التل خمس حكومات في مابين عام 28/1/1962وحتى يوم 28/10/1970، وقد ألف وزارته الأولى في 28 كانون الثاني 1962, التي قامت باستصدار إرادة ملكية بحل مجلس النواب وذلك في 1 تشرين الأول من عام 1962 على أساس عدم تعاون المجلس مع السلطة التنفيذية، وقد أشرفت حكومته على إجراء انتخابات نيابية لمجلس النواب السابع في 27 تشرين الثاني 1962.. وبعد ظهور نتائج الانتخابات قدمت الوزارة استقالتها بتاريخ 2 كانون الأول عام 1962.
وقد أكد البيان الوزاري للحكومة على ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي، وإشاعة العدل وإصدار قانون العفو العام.. مع التأكيد على التعاون مع الهيئات الدولية لعدم التفريط بالقضية الفلسطينية ووضع الخطط الكفيلة بتمويل مياه نهر الأردن.
سار البيان الوزاري لحكومة التل الثانية التي ألفها في 2 كانون الاول 1962 والذي قدم لمجلس النواب في 27 كانون الاول 1962 على مبدأ التركيز على الإيمان بكرامة الفرد وحريته، وتعديل قانون الانتخابات وإتاحة الفرصة للمرأة في الانتخاب وتحسين الجهاز الإداري ورفع الكفاءة الإدارية للموظفين وإبعادهم عن الجيش والأحزاب.. إلا أن التل كان قد قدّم استقالة حكومته الثانية يوم 27 آذار 1963 علمًا أن حكومة القاهرة كانت قليلة الميل إليه.
في الأثناء.. جاء تكليف دولة سمير الرفاعي بتشكيل حكومته السادسة والأخيرة يوم 27 آذار 1963، علمًا أن عائلة الرفاعي حظيت بدور سياسي كبير تمثل بوصول أربعة أفراد من هذه العائلة إلى سدّة الحكم كرؤساء حكومات هم: سمير طالب الرفاعي الذي كلفه المغفور له الملك عبد الله الأول بتشكيل الحكومة لأول مرة في 15 تشرين الأول عام 1944، وعبد المنعم طالب الرفاعي الذي شكل حكومة يوم 24 ـ 3 ـ 1969، ثم زيد سمير طالب الرفاعي الذي شكل حكومته الأولى عام 1973، وفي 9 كانون الأول عام 2009، كلف جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم دولة السيد سمير الرفاعي بتشكيل حكومته، وهي الحكومة السابعة في عهد جلالته حفظه الله ورعاه.
واكب دولة سمير الرفاعي في سلم الدولة الأردنية الإداري والسياسي - قبل أن يصبح رئيسا - ليعمل في الإدارة البريطانية عام 1924. ثم عمل حاكماً إدارياً للواء معان بالوكالة عام 1928، ثم نقل إلى دائرة الأراضي، وفي عام 1930 عمل مراقباً لأملاك الدولة، ثم عمل سكرتيراً لرئيس المجلس التنفيذي عام 1933 ثم سكرتيراً للمجلس التنفيذي عام 1937، ثم مديراً للمعارف، كما عهدت إليه أول حقيبة وزارية كوزير للداخلية والمعارف في حكومة دولة توفيق أبو الهدى الرابعة عام 1941.
تقدم في حكومته السادسة والأخيرة إلى مجلس النواب ببيانه الوزاري في 13 نيسان 1963 وأكد في بيانه على ضرورة تمتين الثقة المتبادلة بين الشعب والحكومة، وإتاحة الفرصة أمام المرأة الأردنية للإسهام بنصيبها من الخدمة والتعليم.. إضافة إلى الاستغناء عن المساعدات الخارجية وتشجيع استثمار الأموال العربية والوطنية وتنظيم الحياة النيابية وإنشاء نظام الحزبين في الأردن والتشجيع على انشاء النقابات والمؤسسات الديمقراطية، ولكن الحكومة لم تحصل على ثقة المجلس فقدم الرفاعي استقالته في 20 نيسان 1963 عملا بأحكام الدستور. ولم تطل إقامته في سدّة الرئاسة في الحكومة السادسة والأخيرة سوى 23 يوماً.
بعد ذلك.. شكـَّـل الشريف حسين بن ناصر حكومتين، الأولى في 21 نيسان 1963 والثانية في9 تموز 1963، وقد بادرت حكومته الأولى في يوم تأليفها إلى حل مجلس النواب بناء على نص كتاب التكليف الملكي الذي قرر أن النواب الذين حجبوا الثقة عن الحكومة المستقيلة لم يكونوا معبرين عن إرادة الناخبين وقد أشرفت هذه الحكومة على إجراء الانتخابات النيابية في 6 تموز 1963 لمجلس النواب الثامن، وقد استقال الشريف حسين بن ناصر في 9 تموز 1963 بعد انتهاء الانتخابات النيابية، ولم تطل إقامته في سدّة الرئاسة في الحكومة الأولى سوى شهرين و 16 يوم.
إلا أنّ جلالة الملك عهد مرة أخرى إلى الشريف حسين بن ناصر لتأليف حكومته الثانية في 9 تموز 1963 وشهدت هذه الحكومة اشتراك الأردن في مؤتمر القمة العربي الأول بالقاهرة من 13-17 كانون ثاني 1964، ومن انجازات تلك الحكومة في مجال التعليم.. توفير الكتب المدرسية من خلال وزارة التربية والتعليم للطلاب مجانا.
ومن خلال البيان الوزاري للحكومة والذي قدم في 7 آب 1963 نلاحظ أن الحكومة قامت باستثمار الفوسفات في جنوب الأردن "الحسا" وإنشاء السدود والسعي لخدمة المواطن وصون حقوقه والحفاظ على وحدة الأسرة الأردنية.. وكان رئيس الوزراء الرفاعي قدم استقالة وزارته السادسة والأخيرة بعد حياة سياسية طويلة في سدة الحكم يوم 6 تموز 1964.
شهد الأردن في النصف الثاني من القرن المنصرم تجارب عديدة، أحياناً كانت مريرة، وأحياناً أخرى كانت على مستوى الفرح الوطني.. وفي كل الحالات، كان هناك عطاء يماثل وضع حجر الأساس في بناء سيكون يوماً صرحاً للثقافة والحضارة.. هو العطاء الذي لا يفسر بغير تدفق المياه الصافية من نبع لا قراره له تحت جبل صخري.. هو العطاء الذي لا ينتظر الثمن، لان الثمن الحقيقي أكبر من جميع القيم المادية.. وفي كل هذه المشاهد ما يؤكد أن القيادة في تاريخ الأردن الحديث والمعاصر كمنصب، ليست امتيازاً، بل هي مسؤولية. ومسؤولية من يتولى القيادة هي في الارتفاع إلى مستوى النهوض بالقضايا والهموم الوطنية، تلك القيادة التي تعد بالمحصلة النهائية جزءاً من حركة التاريخ الذي يهدف إلى تحقيق آمال المجتمع والوطن في الحقوق والواجبات.
وفي نهاية هذا الجزء المتجدد من السلسة نكون قد ألقينا بعض الأضواء على المشهد السياسي لتاريخ الحكومات الأردنية منذ تولي الملك الحسين بن طلال رحمه الله سلطاته الدستورية، من خلال مقالتنا هذه التي تمثل السلسلة السادسة من قراءة المشهد السياسي لتلك الحقبة الزمنية على أمل استكمالها إن شاء الله.