تمرّ الاردن هذه الايام في ذروة انتشار وباء كورونا، وللآن لم تضربنا موجته كما شهدناها في اوروبا وامريكا و أغلب بقاع العالم، لكن إن بقيت الحالات اليومية في ازدياد و تضاعف مستمر بالتأكيد سنصل الى مستوى الشلل العام وخصوصا للقطاع الطبي المتهالك هذه الفترة.
وتسعى الحكومة من خلال القرارات الكثيرة التي تعلنها يوميا الى احتواء الانتشار أو حتى التضييق على الوباء أملا في الحصول على لقاح قبل حلول الكارثة و فقدان فيضاني للارواح، ولكن ما يجب أن تدرسه الحكومة جيدا هذه الفترة هو توقيت الانتخابات النيابية الذي إن لم يعدّل سنشهد ارقام قياسية غير معقولة في شهر تشرين الثاني وستكون بداية الشتاء هذا العام مأساوية، لذلك تأجيل الانتخابات ضروري لعدة أسباب:
أولا :
ستعمل التزاحمات في مراكز الاقتراع والاحتكاكات الجسدية بين المواطنين على تفشي كبير وواسع النطاق، وستفقد فرق التقصي الوبائي القدرة على تغطية المناطق.
ثانيا :
توقيت الانتخابات هذا العام حسّاس جدا لأنه أصبح معلوما أن الاصابات التي تسجل يوميا هي نتيجة مخالطة منذ مدة أسبوع أو أكثر ما يعني أن الاصابات التي من المتوقع أن تحدث في فترة الانتخابات ستظهر بداية فصل الشتاء وسوف تشتت القطاع الطبي وحتى المصابين الذين سوف يخلطون بينها وبين الانفلونزا الموسمية.
ثالثا :
إن قرأنا المشهد من زاوية وطنية، من غير المستحسن إقامة الانتخابات هذا العام في موعدها المقرر لأنه من الطبيعي أن تكون نسبة التصويت في ظل هذه الظروف متدنية جدا و هذه النسبة لا تتوافق مع تطلعات الحكومة ورغبتها في تحصيل نسبة تفاعل شعبي عالية أو حتى مقبولة، في حين إن أجلّت الانتخابات من الممكن أن تكون نسبة التصويت أعلى لدى المواطنين جراء الاحساس بالأمن الصحي وعدم الاكتراث لأيّ تزاحمات قد تحصل.
هذه الاسباب وغيرها يجب أن تدفع إلى التفكير جدياً بتأجيل موعد الانتخابات هذا العام، لانّه من التناقض أن تقيّد الحكومة أغلب القطاعات في الاردن وتسمح أن تقام الانتخابات في موعدها، فمراكز الاقتراع ستكون بالتأكيد مكتظّة و تصبح بؤر للوباء أكثر من المسجد والكنيسة والمطعم والمدرسة، والمضحك المبكي أنه في اليوم الاول لفتح الفرصة للترشح أمام الموطنين أصدرت الحكومة قرارا بفرض الحظر الشامل نهاية كل أسبوع في تناقض غريب غير مدروس للقرارات، فالحكومة التي تفرض حظرا شاملا للحركة خوفا على مواطنيها من الاصابة بالمرض يجب أن تدرس جيدا أي قرارات من شأنها تأزيم الاوضاع.
دائما يلام مجلس النواب في الاردن ويوضع تحت المجهر حتى في ابسط الاحداث، فالثقة بين المجلس والشعب شبه معدومة وبالتالي لن يعارض المواطنين تأجيل موعده هذه العام، و بالرجوع الى القنوات القانونية بالتأكيد سيصبح التعديل تأجيلا مشروعا ومباحا، فالانتخابات النيابية الاردنية ليست رئيسية ومصيرية كنظريتها الامريكية التي لم تؤجّل حتى في فترات الحروب الاهلية الامريكية، ولأنه في النهاية من غير المنطقي أن تسبب الانتخابات الضرر للأمن الوطني، تستطيع الحكومة الاكتفاء هذه الفترة بمجلس الاعيان الذي اختاره جلالة الملك مؤخرا آملين أن نشهد استقرارا صحيا نُقيم به عرسنا الديموقراطي بلا مخاطر أو تحفّظات تذكر .