الكتابة الساخرة تحتاج إلى التحرك في فضاءات أوسع في جميع المجالات ابتداء من اللغة ، وليس انتهاء بالمسلمات الاجتماعية.. الكتابة الساخرة تحتاج إلى حرية شبه مطلقة والى تسامح نسبي ، لأنها تقترب من الشذوذ والجنون والعبقرية والغباء الناصع أحيانا.. الكتابة الساخرة فن التجاوز وعدم الاكتراث بالخطوط الحمراء.
الكتابة الأردنية الساخرة تطورت بشكل سريع جدا.. ففي عام 1987 لم يكن لدينا سوى كاتب ساخر واحد هو محمد طمليه ثم ومع الاتجاه نحو الديمقراطية النسبية نهاية عام 1989 ظهرت فيالق من الساخرين من بداية التسعينيات استقبلتهم الصحف اليومية والاسبوعية وكنت انا احدهم.. كنا كثيرين في الواقع.. لكن بعضنا استمر وبعضنا اعتزل وبعضنا قضى نحبه.. لكن فيالق جديدة انظمت الى ميليشيا الساخرين ، وما زال التجنيد غير الإلزامي مستمرا.
في الكتابة الساخرة ليس هناك ما يسمى (والمعنى في بطن الشاعر) ، إذ ان الوضوح والمباشرة هي اولى شروطها ، بصفتها مادة شعبية تسعى الى توريط القارئ في وجهة نظر الكاتب ، فلا يمكن ان يلعب الكاتب (حامي - بارد) مع القارئ ، اذ ان الكتابة الساخرة بشكل عام مطلوبة ومحبوبة ومرغوبة نسبيا من الجميع ، لأنها مادة عابرة للطبقات والشرائح الاجتماعية.
السخرية لا تحمل مفتاح الحل ، لكنها تنبه الناس الى الأخطاء التي يرتكبونها بحق انفسهم والأجيال القادمة اذا ظلوا على الحياد ، وتفضح نفاق الكبار وكذبهم وتفقع بالونات البروبوغندا التي يتلفعون بها فيظهرون على حقيقتهم.. لصوصا صغارا.. مجرد لصوص.. فيتشجع الناس على السخرية منهم ووضعهم في مستوياتهم الحقيقية.
اعتبر الزوايا الساخرة في جميع الصحف وعلى المواقع الاليكترونية ، اعتبرها مناطق محررة ، و(كوميونات) شعبية ، لن تطلب الاستقلال الذاتي ، لكنها ستحاول ان تكون مراكز اشعاع والهام للقراء ، وورشات تغيير وصياغة عقول ، لأنها ، ومع انها ليست الأعمق ولا الأقوى بالضرورة ، لكنها الأكثر تأثيرا ، ويتقبلها القراء بكل رحابة قلب وعقل وبنكرياس.
الساخرون هم ثوار انقلابيون في ثياب مراوغة ، لا يرتدون الكاكي ولا يحملون الرشاشات ولا تتدلى القنابل اليدوية من أحزمتهم الناسفة ، ولا يتلاعبون بالسيجار بين ايديهم ، انهم اناس يتنكرون في ازياء الناس العاديين ، ويمارسون ثورتهم داخل الثورة ، ويقلبون المفاهيم بلا اي اعتبار للمناصب والطبقات او القيم السائدة.
انا متفائل من الكتابة الساخرة الاردنية ، وهي متنامية ومرفوعة القامة ، ولو كنا نمتلك الية اعلامية قوية لكنا نستطيع منافسة اخوتنا المصريين اصحاب المدرسة الأكثر عراقة وتأصلا في الكتابة الساخرة العربية والعالمية.
ملاحظة: هذه مقتطفات من الكلمة التي القيتها في ورشة الكتابة الساخرة التي انعقدت في المركز الثقافي الملكي الخميس الماضي.
الدستور