تعرضنا نحن العرب لاحتلالات في فلسطين , و الجولان الهضبة العربية السورية -, و مزارع و تلال شبعا اللبنانية من قبل اسرائيل عامي1948- 1967, وحتى في جزر الامارات ( طنب الكبرى و الصغرى , و أبو موسى ) من قبل ايران عام 1971 , فقط لأننا غير موحدين , وبسبب تكالب الاستعمار الخارجي علينا , و لاقناع الداخل العربي عبر الهلالين الاسرائيلي و الايراني بأهمية وجودهما بيننا . و يريدان أن يقولا لنا علنا بأن الاحتلال أصبح جزءا من عاداتنا و تقاليدنا , وتماما كما جائحة كورونا 19 COVID التي غدا مطلوبا منا بعد سرعة و قوة انتشارها أن نتعايش معها وفق معيار نظرية " مناعة القطيع" . ولقد كنا نحن العرب نستخدم الوحدة على نطاق ضيق في حروبنا السابقة مع اسرائيل ,في النكبة عام 1948, و في حزيران عام 1967, وفي الكرامة الشرف و البطولة , و ارتفاع اسم بطلها المرحوم الجنرال مشهور حديثة الجازي عاليا , و النصر الكبير عام 1968 , و في حرب أكتوبر 1973 و الاقتراب من النصر الكامل و بجهد قواتنا المسلحة الاردنية الباسلة – الجيش العربي عبر أللواء ألمدرع الاربعين بقيادة خالد هجوج المجالي , و سقوط شهداء ابرار . لكننا لم نتعلم الدرس , و لم نصغي بالكامل لنداء شريف العرب و ملكهم الحسين بن علي مفجر الثورة العربية الكبرى المجيدة عام 1916, الذي دعا و لازال يدعو العرب لوحدة حقيقية .
كتب المؤرخ الأردني الكبير المرحوم سليمان الموسى في كتابه " الحركة العربية . ص 695 ( ان الوثائق المتوافرة بين أيدينا تدل على أن الملك كان يتصور وحدة بين الأقطار العربية المتعددة ترتبط بعضها مع بعض بروابط تشبه روابط الوحدة بين الولايات المتحدة الأمريكية , بحيث يتمتع كل قطر بالاستقلال الداخلي التام , بينما تتولى الحكومة المركزية السياسة الخارجية , و بحيث تتمثل الوحدة في العلم الواحد, و النقد الواحد , و جوازات السفر الواحدة , و المصالح الاقتصادية الواحدة , و الجيش الواحد .
وكنا نحن العرب باحثين دوما عن السلام مع الكيان الاسرائيلي الذي فرضته الصهيونية عبر مؤتمرها في بال 1879 , ومؤسسة (الايباك 1953 ), و دول الاستعمار الكبيرة علينا على شكل كيان و دولة , و(أوسلو1993 , وواي ريفير1998 , وكامب ديفيد 1987 , ووادي عربة 1994 خير شاهد ) . و ذهبنا الى أبعد من ذلك , عندما خاطبت قمتنا العربية في بيروت عام 2002 من خلال نداء للأمير الملك عبد الله بن عبد العزيز صاحب الجلالة خادم الحرمين الشريفين رحمه الله اسرائيل بالانسحاب الكامل من الاراضي العربية الى حدود الرابع من حزيران لعام 1967, مقابل سلام شامل مع كل الدول العربية , و رفضته اسرائيل , و انطلقت بعد سلامها الانفرادي مع مصر و الأردن الى سلام مع دول عربية أخرى , وعينها على أمنها , و على مصالحها الاقتصادية , و اللوجستية . ورغبة أكيدة لديها بتحويل عداء العرب لها الى عداء مشترك لايران من وسط الجبهة الأمريكية – الصهيونية الواحدة . وصورة العرب اليوم في وقتنا المعاصر تنقسم الى دول معنية بالسلام المباشر بحكم الحدود المحاذية لاسرائيل مثل فلسطين ,و الأردن , وسوريا , ومصر . وغيرها بالسلام غير الحدودي وذي الطابع الاقتصادي و السياسي بعيد المدى . و لا أفق للحرب بطبيعة الحال لعدة أسباب من أهمها غياب وحدة العرب , و غياب التوازن العسكري بين العرب مجتمعين و اسرائيل , خاصة ونحن نعرف بأن اسرائيل كيان نووي السلاح على شكل دولة . كتب يفغيني بريماكوف في مؤلفه ( الكواليس السرية للشرق الأوسط - ترجمة نبيل رشوان . ص 419 تحت عنوان " اسرائيل دولة نووية غير رسمية - ( بعد قيام اسرائيل مباشرة عام 1948 , جرت محاولات للبحث عن اليوروانيوم , في أراضي البلاد , و كذلك تطوير تقنية انتاج الماء الثقيل , وتم ارسال مجموعة من العلماء الى الخارج, الى الولايات المتحدة و هولندا , و سريسرا , و بريطانيا , للتخصص في مجال الأبحاث النووية . و في خلال الفترة من 1955- 1960 , كان 56 متخصصا من اسرائيل تم اعدادهم في المعامل القومية الأمريكية في أوك - ريدج و أرجون .
ويكتب بريماكوف في نفس الصفحة أيضا ( مع بداية عام 1953 بدأ تعاون اسرائيل النووي مع فرنسا , و مقابل معلومات عن تقنية انتاج الماء الثقيل و استخلاص اليورانيوم من الفوسفات , حصلت اسرائيل على تصريح بدراسة البرنامج النووي الفرنسي , و الاشتراك في تجارب نووية في الصحراء . وعلى أساس أول نتائج لهذا التعاون , قام رئيس الوزراء بن غوريون , المدعوم باراء اثنين من مستشاريه , و الشخصيات الأكثر قربا منه , موشي ديان و شيمون بيريز , وبعد انسحاب القوات الاسرائيلية من سيناء مباشرة , التي كانت تحتلها نتيجة العدوان الثلاثي عام 1956, بالموافقة على قرار سري للغاية يقضي بتطوير ما اطلق عليه " النموذج النووي الاسرائيلي المستقل " . قرار بن غوريون هذا لم يبلغ أحدا به من أعضاء حكومته , باستثناء ديان و بيريز .
ويكتب بريماكوف ص 419 420 ( في خريف عام 1957 , بأن بيريز قام بتكليف شخصي من بن جوريون بأجراء سلسلة من المباحثات السرية مع ممثلي الحكومة الفرنسية , كان من نتائجها توقيع اتفاق قامت فرنسا بمقتضاه بتوريد مفاعل يعمل بالماء الثقيل لاسرائيل , و يعمل باليورانيوم الطبيعي, ومساعدات لاقامة مركز علمي بحثي على أساسه , والذي تم بناؤه بعد ذلك على وجه السرعة في ديمونة ( صحراء النقب – المؤلف ) في سرية تامة . لم يمر الأمر كذلك دون مشاركة الأمريكيين , فقد قام جهاز مكافحة التجسس, المعروف بأنه محافظ في المخابرات الأمريكية , في عامي 1957 1958 , بتنظيم عمل سري لبعض علماء الذرة في اسرائيل . ومن الممكن أن نصل الى نتيجة مفادها أن المخابرات الأمريكية قامت بعملية تمويه , ففي عام 1960 قام الخبراء الامريكيون بزيارة ديمونة أكثر من مرة , و قدموا تقارير للرأي العام , بأن مفاعل ديمونة يستخدم فقط للأغراض السلمية .وفي صفحة 417 من كتاب بريماكوف هذا نقرأ باهتمام قوله ( في اثناء حرب 1973 , عندما كانت اسرائيل في حالة يأس من الفشل العسكري , و بشهادة مجلة" تايم " , أحضرت اسرائيل 13 قنبلة من الصحراء على وجه السرعة خلال 78 ساعة , وتم تجميعها في نفق سري تحت الأرض) .
يقابل هذه المعادلة ضرورة أن تعي ايران أهمية سحبها لهلالها الشيعي من وسط العرب , وأن تلتزم بحدودها الجغرافية و الايدولوجية , و لأن تلغي احتلالها لجزر الامارات , ولكي تجمد نشاطها اللوجستي الموجه صوبنا , لتفتح صفحة جديدة مع العرب , ولتكسب الصداقة الاستراتيجية معهم . ومن مهام السلام الاسرائيلي مع العرب طمس حركات التحرر العربية ( المقاومة العربية ) , و اجتثاث التغذية الايرانية المادية , و العسكرية , و الامنية له خاصة على جبهتي ( حماس ) و ( حزب الله ). و مواصلة قصف ايران في سورية , ومحاصرة ( حزب الله ) داخل حدود بلاده .
وبناء عليه ,ان أوان تفسير مصطلح الارهاب في منطقة الشرق الأوسط , و تثبيت الاحتلال لأراضي الغير ارهابا , و نشر المستوطنات غير الشرعية كذلك , و امتداد الهلالين الاسرائيلي و الايراني ايضا , ولا سلام حقيقيا مع اسرائيل , و لا علاقات جوار طيبة مع ايران من الممكن أن تكون الا بزوال احتلال كل منهما , و عبر احترام سيادة كل بلاد العرب . و الارهاب بكل تأكيد صنيعة مباشرة لأجهزة لوجستية مختلفة و اسعة الانتشار. (عبد الباري عطوان في كتابه " القاعدة – التنظيم السري) كتب يقول (ص15) ما يميز تنظيم " القاعدة" عن غيره من التنظيمات الأخرى , هو قدرته على المفاجأة , وتطوير نفسه من خلال التوسع , و انشاء فروع جديدة في مناطق عديدة من العالمين الاسلامي و الغربي , وهذا ما يفسر فشل محاولات استئصالة , أو القضاء عليه رغم الجهود , و الأموال الضخمة , و تعدد الجهات الاستخبارية العالمية المتحالفة من أجل تحقيق هذا الهدف ) . يكتب سكوت ريتر في مؤلفه " استهداف ايران . ص. 33 أيضا ( لكي تفهم الموقف الاسرائيلي الحالي من ايران ربما يكون متحف ياد فاشيم- وهو المتحف الرئيسي في اسرائيل , الذي يروي قصة الابادة الجماعية – المكان الأمثل لكي نبدأ منه . في هذا المتحف يستعيد الاسرائيليون السبب الذي أدى الى قيام دولتهم الحديثة .وهنا أدعو العرب للتريث في اقترابهم من اسرائيل , أو حالة اقترابها منهم , لكونها غير بريئة , و تقدم أمنها و مصلحتها على مصالح العرب , و تبتسم لبعضهم , و تكشر عن أنيابها لغيرهم , مستخدمة سياسية العصا و الجزرة . و صفقة القرن صنيعتها و أمريكا خير شاهد . و تبقي القدس الشريف تحت مرماها , بينما هو مكان مقدس للأديان الابراهيمية كافة .