الثقافة ونمط التفكير في عصر المعرفة
07-10-2020 12:36 PM
يبدو أننا نعيش لحظة مفصلية في التاريخ الإنساني تتمثل في نهاية عصر وبداية عصر جديد فهذا العقد سيشهد نهاية عصر الصناعة والانطلاق في عصر المعرفة.
مرت الإنسانية عبر التاريخ بثلاث عصور (الرعي, الزراعة, الصناعة) لكل عصر منها نمط إنتاج ونمط تفكير ثقافي نسخ ما قبله وحوله إلى أطلال، وها نحن نشهد نهاية عصر الصناعة بنمطيه المادي (الانتاج) وغير المادي (الثقافة) لكن قبل أن أسهب لا بد من سؤال فكري فلسفي اين نحن في الأردن من نمط الإنتاج ونمط التفكير الثقافي للعصر الجديد.
سأحاول أن أجيب عن ذلك في نهاية المقال. وجود الإنسان على هذه الأرض يهدف لعمارتها و بالتالي يعتمد على البقاء و التكاثر و هذه تحتاج للأمن الغذائي والأمن من الأخطار وهذا هو جوهر التطور الإنساني فهو قائم على عنصرين ليحقق ما سبق وهما عنصر الإنتاج وعنصر الثقافة أو نمط التفكير.
العصر الرعوي دام عشرات الآلاف من السنين واعتمد على جمع الثمار والغزو والقتال كعنصر إنتاج وعلى ثقافة التنقل والتحالفات الاجتماعية وكل ذلك دفع البشر إلى الانتقال من أفريقيا باتجاهين الأول إلى مصر ثم إلى الهلال الخصيب والثاني إلى القرن الإفريقي ثم إلى اليمن وجنوب الجزيرة العربية ومن هنالك انتشر البشر ليشكلوا عالمنا الحالي وهو ما يمكن تتبعه من خلال الهابلوتايب.
العصر الزراعي الذي دام بضعة الاف من السنين بدأ في الهلال الخصيب بنمط إنتاجي أدى إلى وفرة الطعام ونمط ثقافي قام على الاستقرار وتطوير الآليات لزيادة الإنتاج وثقافة التحالفات المناطقية ومنه انبثقت كل العادات والتقاليد والقيم التي نراها في منطقتنا حاليا والتي كانت قائمة في باقي العالم في حينه وتشكلت نقطة الضعف بذلك العصر من الإقطاع.
العصر الصناعي بدأ منذ ما يقارب 350 عاما بنمط إنتاج قائم على الاله والطاقة ونمط تفكير ثقافي قائم على المصالح والتنافس والفردية.
بدا العصر الصناعي في بريطانيا إنتاجيا ولكن كانت الثورة الفرنسية هي من قررت نمط التفكير الخاص به. لذلك سيطرت أوروبا من حينه على العالم خصوصا بعد أن حيدت القوة المنافسة (الصين) في حرب الأفيون بالإضافة لتردد الصين لدخول ذلك العصر لأسباب ثقافية اجتماعية سياسية.
الأمم لم تدخل عصر الصناعة أصبحت على الهامش تعيش الضعف و المجاعات و عرضه للاستعمار و تائهة في نظرية المؤامرة والإشاعة. منطقتنا تحت الوصاية العثمانية في حينه كانت خارج الإطار الثقافي والنمط الفكري لعصر الصناعة و ليس أدل على ذلك من الجدل الطويل حول الآلة الطابعة في حينه.
منذ نهاية التسعينيات بدا العالم بدخول عصر جديد قائم على الانترنت و ثورة الاتصالات و التطور التكنولوجي وهذا ما يسمى بعصر المعرفة (أو صناعة المعرفة).
بدا هذا العصر مترددا و بطيئا لكن دخول الصين على المنافسة أشعل التنافس وباعتقادي أن ظروف جائحة كورونا ستسرع بلورة هذا العصر و يبدأ بشكله النهائي مع الجيل الخامس من الانترنت أي خلال سنوات. لذلك فنحن الآن أمام نمط انتاجي ونمط ثقافي جديد نعيش مرحلته الانتقالية والتي تبدو لنا أنها غير مستقرة لأننا نرغب بالاحتفاظ بنمطنا الثقافي الحالي والذي ستمسحه ثقافة المعرفة و ليس فقط ستضعفه كما فعلت ثقافة الصناعة.
لنفهم نمط التفكير والثقافة لعصر المعرفة يكفي أن نرى أبنائنا في بيوتنا, طفلي او طفلك يلعب لعبة الكترونية مع أقاربه أو أصدقائه من نفس العمر و هم موزعين في الاردن والخليج وامريكا واوروبا تجمعهم شاشة يراها الجميع في نفس الجزء من الثانية ينقسمون إلى فرق متنافسة أو متعاونة. هذا النمط له خصائص إن دققنا فيها: ذاب عنصر المكان و ذابت الفروق فلا يهتم أي من هؤلاء بمن يلعب معه إن كان ابيض أو اسود ولا بالأصل ولا بالمنبت و لا من أي طبقة اجتماعية, ثالثا إن هؤلاء لا تعنيهم ثقافة المجتمع بعاداته وتقاليده وقيمة وحتى قضاياه السياسي هاو الاقتصادية ما دام إن كل ذلك لا يضيق عليهم.
الأهم من ذلك هو غياب المشاعر والعواطف مع الآخر فهو لا يراه وهذه تكمن خطورتها في الاستعمالات العسكرية لعصر المعرفة.
الملخص ان العالم دخل عصر المعرفة ولكن يتنافس على من سيقوده ثقافيا (نمط التفكير) واقتصاديا (نمط الانتاج) والدول التي ستركب هذه القاطرة مبكرا ستكون ضمن العالم الجديد ولكن ذلك يحتاج إلى بلورة نمط تفكير ثقافي يتماشى مع العصر الجديد حتى لا يحدث ما سبق عندما بقيت منطقتنا في ثقافة الرعي والزراعة و فعت أثمان لم تنتهي لليوم.
لا يجوز أن يضيع الوقت الثمين حاليا في شو إعلامي وشد ورخي في الوقت الذي يتوجب على المفكرين الأردنيين مع وزارة الثقافة ووزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي العمل على سؤالين: هل هنالك إرادة سياسية لدخول عصر المعرفة وأتوقع أن الإجابة بنعم (أو هكذا افترض) و الثاني ما هي الوسائل التي سنبدأ بتطبيقها لنمط تفكير و ثقافة تواكب عصر الثقافة قبل أن نخسر هذا الجيل بأكمله لثقافة أخرى.
هل أنا كفرد أحاول التفكير و الاجتهاد. بصراحة: كنت متفائلا لكن في الفترة الأخيرة تلاشى ذلك فانا غير مقتنع أن جيل ما قبل الرقمية قادر على وضع القوانين والفلسفة الفكرية والثقافية لجيل المعرفة الرقمي. أتمنى على وزارة الثقافة على الأقل ان تحاول.