تمر هذه الأيام الذكرى الأولى بعد المئة لدخول جيوش الثورة العربية الكبرى لدمشق.

وتتأتى أهمية هذه الذكرى من عوامل عدة بينها انها حدث تجلى في وقت كان فيه المسرح السياسي في المشرق العربي يشهد أحداثاً لا تقل بأهميتها عن ما يجري العرببة، وتشكل الصراعات بين العرب والقادمين المستعمرين الجدد.
ونقرأ من تلك الأحداث ما عبر عنه " جيش فيصل" الذي كان يمر من الأردن شمالاً ووجهته دمشق قبل نحو اكثر من مئة عام لتأسيس دولة لم تعش الا نحو عامين، إلا أنها لربما وجب أن توصف بأندلسٍ ثانية، لكونها جاءت عروبية خالصة، ولأنها كانت تعبيراً صادقاً عن الوجدان العربي، وتوقده في تلك الفترة.

فدولة فيصل العربية التي تأسست مطلع تشرين الأول من عام 1918 لم تشكلها الظروف بقدر ما شكلتها الإرادة العربية، وهي درس وشاهد على مقدرة المشرق العربي على التعبير عن ذاته، وعلى إبداع الإنسان العربي.

وفي ذلك الزمان ، حيث كانت القوى في هذا المشرق تتوزع جغرافياَ بين ثلاثة أقاليم: هي سوريا وثقلها التاريخي ورمزيتها ، والعراق وثقله السكاني ، والحجاز وثقله الديني، تشكلت حالة فريدة من نوعها وفرصة تاريخية أضاعها الانتداب وتآمر البعض لأجل أن ينعتق العرب من حالة التأرجح الحضاري التي عاشوها، ولكن سكة التاريخ خرجت عن آمال المؤسسين ..!

وبالعودة إلى المملكة العربية السورية، التي هي جزء من تاريخ المنطقة، فإن هذه المملكة التي كانت أول دول الثورة العربية الكبرى، هي شاهد ووثيقة بيد العرب وفي ذاكرتهم على الوعي الذي يتآمر بعض كتبة التاريخ عليه بالتقليل من شأنها أو تجاوزه.. رغم أنها حالة عربية خالصة، ووعي يحاول العرب اليوم استحضاره في سياق إعادة ترتيب الأوراق ما بين الصراعات.

فبين عامي (1918 و 1920) بنيت في سوريا دولة أذابت كل الفوارق والحواجز وحمل دستورها أرقى أنواع المؤسسية والحرية، وكادت تتشكل مملكة هي بشهادة وثائقها سواء في المؤتمر العام 1919 أو بأوراق لجنة "كنغ كراين" التي استفتت أهالي المنطقة ، هي مشروع نجح في تذويب أي فوارق طائفية أو دينية.

واليوم، ونحن نستحضر دولة فيصل بعد أكثر من مئة عام نعيد طرح الأسئلة التي ما زالت لليوم حاضرة.. هل يصلح الأمر بخطاب غير خطاب الشرعية المتأصل من ثنائية القومية والدين التي عبر عنها الهاشميون؟

وما يستدعي اليوم الكتابة والاستحضار عن دولة فيصل ما تقرره اليوم بعض السياسات التي تحاول تسويق سوريا على أنها تتشكل من مجموعة من الشعوب، دون مراعاةٍ للتاريخ والقدرة لخطاب النهضة على استيعاب المكونات كافة.
دولة فيصل.. بعد مئة عام وفي سياق الحاضر بحاجة لأن نعيد قراءة سياقات تشكلها وبنائها من جديد في الوعي والذاكرة لكي تكون معيناً على تشكيل منعة من لأجيال يحاول البعض إخراجها وفصمها عن نموها الطبيعي! .
فالعرب اليوم على ما يحدثه الزمان فيهم من متغيرات الا انهم يملكون فرادة اللحظة والتقاطها لاعادة تموضعهم.. وهذا ما يشرحه الماضي، على محاولات البعض ثنيه عن الحاضر او تسويف الواقع وبتر الكتابة التاريخية الرصينة الخادمة للحاضر والمقبل...