خطة استجابة سريعة قبل فوات الأوان
د.سعد الخرابشة
03-10-2020 02:46 PM
ونحن نشهد حاليا انفجار وبائي كبير لم ينال حظه من التخطيط اللازم ولا سعة الأفق الكافية من التنبوء خلال الستة شهور التي سبقت حصوله وعندما انقشع ضباب التضليل الإعلامي الذي مارسه المعنيون وذاب الثلج أدركنا أن لا جاهزية لدينا على أرض الواقع ولا برامجَ استجابة سريعة لإخماد الوباء أو للتعامل مع آثاره سواء على المستوى الوقائي أو المخبري أو جاهزية المستشفيات.
أضعنا ستة شهور أو يزيد ونحن نستعد لمحاصرة الوباء من خلال تنفيذ خطة ضيقة الأفق مبنية على سيناريو خيالي بأن الوباء سيكون محدود الأثر وأن الحالات المرضية ستبقى محدودة جدا وتراوح حول الصفر سيئ الذكر وانشغلنا بالتفاخر أمام الناس والعالم بالنموذج الأردني المتقدم بالسيطرة الوهمية على الوباء، رغم أن مراكز أبحاث عالمية كانت تصنفنا في ذلك الحين من حيث درجة الأمان فيما يخص الوباء بالمرتبة ٨٩ وقد نبهنا المسؤولين مرارا لذلك إلا أن هذه التنبيهات للأسف لم تلقى أذان صاغية وآثرنا الإستمرار بالسير في حالة الإنكار والتطمينات الزائفة وعدم استشعار الخطر القادم وقد انعكست هذه الحالة على بعض المسؤولين التنفيذيين في الميدان وعلى شريحة كبيرة من المواطنين أدت إلى التراخي بتطبيق الإجراءات الإحترازية الوقائية وإجراءات الإستجابة السريعة مم أدى بالضرورة لحصول ثغرات خطيرة لا مجال لإعادة ذكرها.
في ضوء ما يتم تداوله هذه الأيام من تغيير حكومي وأعلم أن هذا استحقاق دستوري واجب التنفيذ فأنا لا أرى مسوغا ذا قيمة مضافة باستبدال بعض الوزراء الممسكين بملف الكورونا لأن من سيخلفهم لن يكن بمقدوره عمل الشيئ الكثير بعد ما حصل من تفاقم كبير وغير محسوب للوباء لكنني أرى بأننا بحاجة ماسة جدا لتغيير نهج مكافحة الوباء من خلال تنفيذ خطة استجابة سريعة وفعالة يمكنني اقتراح أهم عناصرها فيما يلي:
٠١ عدم طغيان القرار السياسيَ والإقتصادي على القرا الصحي، فإذا انهارت الصحة سينهار كل شيئ تباعا.
٠٢ إعادة هيكلة خلية الأزمة من خلال إغنائها بخبراء ومختصين ومشهود لهم في مجال خلق المبادرات وتصميم برامج الإستجابة السريعة للتصدي للوباء على المستويين الوقائي والعلاجي وعدم إشغالها برسم المصفوفات وتصميم المحافظ والتطبيقات الإلكترونية والتي ربما على أهمية بعضها لم نلمس لها أثرا فاعلا على أرض الواقع.
٠٣ تخصيص مرجعية واحدة ومؤهلة لقيادة عمليات السيطرة على الوباء والتوقف عن تعدد المرجعيات التنفيذية الصحية وحصرها بوزارة الصحة مع ضمان مشاركة باقي القطاعات الصحية من خلال لجنة عليا يترأسها الوزير بصفته رئيسا للمجلس الصحي العالي.
٤. إعادة تشكيل اللجنة الوطنية للأوبئة ورفدها بمزيد من الخبراء الحقيقيين وأن تمثل كافة القطاعات واستبعاد غير المختصين من عضويتها ومنحها صفة الإستقلالية والحيادية وأن تتم رئاسة جلساتها من قبل أحد أعضائها بالإنتخاب أو بالتوافق وبالتناوب وأقترح أن يكون مكان إجتماعاتها إما في المجلس الصحي العالي أو في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات. بحيث يتم رفع تقريرها وتوصياتها إلى وزير الصحة.
على أن تتألف هذه اللجنة من أربعة لجان فرعية؛ لجنة وبائيات، لجنة علاجية، لجنة مختبرات ولجنة أبحاث.
٥. إعلان حالة طوارئ قصوى في وزارة الصحة وكافة مكونات القطاع الصحي لتنفيذ خطة وبرامج الإستجابة السريعة.
٦. رصد مخصصات مالية طارئة ومستعجلة لشراء أجهزة ومعدات غرف العناية الحثيثة وتجهيز المستشفى الميداني الذي أنشأته الخدمات الطبية الملكية في البحر الميت ليصبح قادرا على استقبال الحالات المرضية الشديدة والحرجة مع التفكير بإنشاء مستشفى ميداني آخر مشابه في موقع آخر من المملكة. وكذلك لتمويل توسيع شبكة مختبرات الPCR لتشمل جميع محافظات المملكة. ويتم استخدام هذا التمويل الطارئ أيضا في تغطية شراء خدمات مؤقتة لأطباء صدرية وجهاز تنفسي وأطباء وبائيات وصحة عامة وأطباء تخدير وإنعاش وفنيو عناية حثيثة ومختبرات ومهندسي أجهزة طبية ومختصين في النظم الصحية... الخ لتعزيز النقص الحاد في مؤسسات القطاع العام بشقيه المدني والعسكري حتى يتم تشغيل هذه المستشفيات الميدانية.
يمكن استقطاب هذه الكفاءات من المتقاعدين المدنيين والعسكريين ذوي الخبرة الطويلة في هذة الحقول بالإضافة للإستفادة من العاملين في القطاع الخاص من خلال التعاقد معهم بعقود مناوبة عن طريق نظام الورديات بدون أن يخسروا عملهم الأصلي.
٧. في جميع الأحوال حتى لو عملت جميع مستشفيات القطاع العام والمستشفيات الميدانية بكامل طاقتها العلاجية والمخبرية فهي ستكون قاصرة عن تحمل العبء المرضى المتوقع سيما وأنها لن تكون معنية بمرض الكورونا فقط وإنما هنالك أمراض عديدة أخرى لا يمكن تأجيلها أو تجاهلها، وعلية فلا بد من ضمان جاهزية المستشفيات الخاصة أو بعضها لاستقبال الحالات المرضية سواء الناجمة عن الوباء أوغيره، وفي كل الأحوال يجب أن يكون هنالك اتفاقية واضحة مع هذه المستشفيات تضمن تسعيرة معقولة وعادلة لا تزيد عن سعر الكلفة كثيرا بحيث تكون الخدمة متاحة للمواطنين وأن تلتزم الحكومة وشركات التأمين الصحي بتغطية أجور معالجة المؤمنين بالإضافة لقيام الحكومة بتغطية نفقات معالجة الفقراء ومحدودي الدخل في حال عدم توفر أسرة لهم في القطاع العام.
٨. تفعيل دور مراكز الرعاية الصحية الأولية والشاملة المنتشرة في جميع مناطق المملكة بعددها الكبير وكوادرها العديدة في الإسهام الإيجابي لإخماد حدة الوباء من خلال دورهم في توعية المواطنين وكشف الحالات المرضية المشتبه بها وجمع العينات المخبرية والإشراف على عمليتي الحجر المنزلي للمخالطين والعزل المنزلي للحالات المرضية الخفيفة، ويمكن دعم هذه المراكز بلجان مجتمعية تمثل البلديات ومؤسسات المجتمع المدني ورموز المجتمع المؤثرة لتقوم بدور إدماج وإشراك المجتمع المحلي إيجابيا في مجابهة الوباء وربما يمكن منح هذه اللجان صفة الضابطة العدلية من خلال أمر دفاع.
وأخيرا أنصح بترشيد السيل الإعلامي الجارف من التصريحات لمن يدعون الخبرة في هذا المجال حيث أصبح الفضاء مكتضا بالتصريحات المتناقضة التي أسهمت في حيرة المواطن واختلال ثقته بأجهزة الدولة.