لا اعرف عدد المرات التي سمعت فيها مصطلح “اكتساح” لكنها اصبحت تتردد على السنة العشرات من المرشحين في مختلف دوائر المملكة الانتخابية. ما ان تسأل الشخص المرشح او من حوله عن توقعاتهم لما قد يحصل في الانتخابات القادمة حتى يرد عليك بعضهم بالقول ” نار” ويردفها بالقول “اكتساح ” ان شاء الله في اشارة الى توقع الفوز وحصاد الغالبية العظمى من الاصوات في الدائرة.
استخدام الاصطلاح ليس غريبا فهو دارج الاستخدام في معظم المجتمعات التي تجري انتخابات يتنافس فيها الاحزاب والمرشحون. في تلك المجتمعات يستطيع الاعلام والناخبون والمراقبون التنبؤ بما يمكن ان تسفر عنه الانتخابات بدرجة معقولة من الثقة لا نهم يعرفون الخلفيات التي جاء منها المرشح والمسيرة المهنية له ويطلعون على برنامجه الانتخابي ويقيمون ملاءمته للمرحلة وحاجات ومطالب الجمهور ويستطيع الجميع القياس اذا ما كان بمقدور المرشح او الحزب تنفيذ البرنامج.
الحديث عن الاكتساح او الفوز الساحق للقائمة او لمرشح بعينه ممكن في حالة وجود احزاب وقوائم ومرشحين يقدمون برامج تطرح على مسامع الناخبين ويناقشها الاعلام ويدافع عنها اصحابها ويتولون شرحها ويرى الناس ان اصحابها على مستوى من القدرة والكفاءة والنزاهة والالتزام الكافي لتنفيذها. في زمن المحن والازمات يمكن ان يحصل الاكتساح اذا قدم الحزب او القائمة تشخيصا دقيقا للواقع وطرحوا حلولا واقعية ومنطقية للتحديات والمشاكل التي تواجه مجتمعهم وناخبيهم.
في هذا العام ووسط اجواء الجائحة التي غيرت انماط الحياة والعادات السلوكية لنا وبالرغم من مواجهة البلاد لعشرات التحديات والازمات المركبة لا يوجد الكثير من المرشحين الذين يشيرون ولو بصورة عابرة الى اي من هذه التحديات. غالبية المرشحين بلا برامج انتخابية واضحة المعالم والاتجاهات. من وقت لاخر وعند السؤال عن ما يمكن ان يقوم به النواب في المرحلة القادمة يستدعي بعضهم اعداد الاسئلة التي طرحت والتشريعات التي مرت ويقدم فيديو قصير من الخطابات النارية التي القوها تحت القبة وتخلو عن كل مضامينها عند التصويت.
السياسات الصحية الاردنية في التعامل مع الجائحة والتغيرات التي طرأت عليها خلال الاسابيع الماضية احدثت الكثير من الحوار وولدت اراء ومواقف تباينت بين الدعوة الى الاغلاق التام الى الانفتاح الشامل. لا اظن اني سمعت رايا لنائب سابق او لاحد ممن اعلنوا تلميحا او تصريحا بانه قادم للمجلس حول موقفه من هذه السياسات وشرحه لهذا الموقف.
التحديات السياسية التي مثلتها صفقة القرن والازمة الصحية الاقتصادية التي ارتبطت بالكورونا وتاخر وتعطل المشروعات الاصلاحية قضايا يتحدث عنها الناس وهي غائبة عن اجندات القوائم التي تتشكل على اسس حسابات الاصوات ومعادلات الجمع والطرح والقسمة اكثر من استنادها الى اي فكرة او برنامج يمكن ان يشكل مدخلا للتخاطب مع الجمهور.
حديث بعضهم عن الاكتساح يأتي من احساسهم وقراءات بعضها عشائري والاخر امني والثالث مالي. في الاردن وبكل اسف لا احد يلقي للافكار والبرامج والمشروعات بالا، فالجميع يعلم ان المجلس القادم لن يختلف كثير عن المجالس السابقة ومن غير المجدي ان يبذل الناس جهدا لانتاج نوابا لا ولن يكن لهم اي تاثير على مجريات الامور.
الحالة التي وصل لها المجتمع وهو يستعد لدخول الانتخابات في الشهر القادم حالة غريبة حيث يفتقد المجتمع الى الحماس والاثارة ويتولى المرشحون تحريك الناخبين المحتملين بمساعدة اعوانهم ووكلائهم بشتى الوسائل والادوات التي لا علاقة لها بدور النائب ولا الكفاءة والتأهيل. بعضهم يستعين بالقبيلة والاخر يستعين بالمال والثالث يستعين بالنفوذ والصلات والرابع يستعين بالايدلوجيا والدين ولا يوجد من يستعين برؤيته لمواجهة التحديات ببرامج ملائمة يتعاون مع الرفاق على طرحها وتنفيذها.
(الغد)