حين ندقق في خارطة الحروب والصراعات التي تعرضت لها أمتنا خلال مئة عام على الأقل على يد أبنائها أو أعدائها نجد أن ( الدين) هو العنوان.
حين ندقق أكثر نكتشف أن (الدين) كان المتهم والضحية، الهدف والوسيلة، الفاعل والمفعول به ايضا، كان الآخرون ينظرون الينا من زاوية (الدين) تحت المسميات النمطية التي اختاروها وهي التطرف والعنف والارهاب، وكانوا يتذرعون بحمايتنا والدفاع عنا وتخليصنا من الذين اختطفوا الدين وأساءوا اليه، كانوا يقتلوننا ايضا بحجة أن بعضنا خرج عن سكة (الدين) ويقسّمون بلداننا لأننا انحزنا لمذاهبنا وطوائفنا واختلفنا في تطبيق قيم الدين.
كنا نحن -وما زلنا- أيضا ندافع عن أنفسنا باسم الدين، ونقتل بعضنا بعضا استنادا الى فقه (الدين)، ونبتلع ما يواجهنا من نكبات وخيبات وهزائم مع أكبر جرعة من الدين.
الدين هو الدين لم يتغير لكن بدل أن يكون مرشدا وهاديا ومنقذا ومحررا أصبح عندهم وعند بعضنا (مشكلة)، وبدل أن يكون باعثا للبناء والتحضر والسعادة تحول عندهم وعندنا الى وسيلة للهدم والقتل والخراب وأورثتنا - للأسف- المزيد من الانحطاط، وكأننا توافقنا معا على (توظيفه) لغير المرادات التي نزل من أجلها، أو كأننا تحالفنا لإقصائه من حياتنا الى الأبد.
معظم الحروب والصراعات التي تجري في العالم اليوم تسجل (باسم) الدين لكنها لا تحظى بأي اهتمام الا اذا كان أحد أطرافها من (المسلمين) أما الأخرى (ما حدث في اوكرانيا مثلا بين المسيحيين البروتستانت و الكاثوليك) فلا أحد في الغرب يتدخل فيها، واذا حصل فلا نسمع أي تهمة بأنهم إرهابيون.
حين يكون الدين مشكلة على الطرفين يجب ان نفكر في اتجاهين : اتجاه الآخر الذي يتحرك للقبض على أعناقنا ونحن ملتبسين (بالدين) على اعتبار ان الدين تهمة ومصدر للتطرف و الإرهاب وخطر يستدعي المواجهة، واتجاه الذات التي تتحرك للدفاع عن نفسها باسم الدين، وتتطرف احيانا لتصفية حساباتها بأمر الدين، الذات التي فشلت في تحويل الدين الى (قصة نجاح) ولم تسجل لنفسها باسمه في عصرها الحاضر أي انجاز، الذات التي (أحبت) الدين وآمنت به أو التي وظفته وأساءت فهمه.
إذا سألتني عن الحل سأجيبك بلا تردد : ( الدين هو الحل)، ولا أقصد هذا الدين المجروح الذي انزلناه على واقعنا دون أن نفهمه، ولا هذا الدين المغشوش الذي تدينا به فجردنا من إنسانيتنا وكرامتنا وأغرى الآخرين على قتلنا واهانتنا، ولكنني اقصد الدين الصحيح الذي أنزله الله علينا وتجسد عمليا في نموذج النبي الرسول عليه الصلاة والسلام، الدين الذي يتحرك مثل (الروح) في الإنسان، لكي يبني ويسعد ويشع كالنور على الانسانية ويمكّن المؤمنين به من التخلق والتحضر والرقيّ، ويجبلهم على العزة والكرامة والنصر، ويجعلهم أسيادا لا عبيدا، وإخوة لا أعداء، ومصدر خير للعالمين...كل العالمين.
نعم ( الدين هو الحل) لكن بعد أن نحرره من مفهوماتنا الخاطئة، ومن توظيفاتنا المسمومة، ونعيد اليه ( الروح) التي انتزعناها منه، والأخلاق التي اختطفناها من إحكامه، و(السرّ الأكبر) الذي تواطأنا على نسيانه وإنكاره.
الدستور