يحمل عنوان هذا المقال "ماذا نريد؟" زبدة المرحلة المقبلة، اقتصاديا، وصحيا، وحتى سياسيا، إذ أن التجربة الماثلة أمامنا كمواطنين تؤكد أن الحكومات السابقة برؤساء الوزراء وأعضاء الفرق الوزارية ساهمت بدرجة كبيرة في الحالة التي وصلنا إليها اليوم. على مر السنوات الطويلة الماضية، لم يهنأ الأردنيون بحكومة تنقلهم إلى الأمام، حتى ولو كان ذلك لأمتار معدودة، بل أن من يستعرض هذه الحكومات يجد التراجع الدائم في عديد الأمور، كالدين العام، والعجز المالي، والاصلاح السياسي، مع جمود غير مفهوم في التطور نحو الصناعات الوطنية، والسياحة والزراعة.
ولأن ذلك ما يعيش في كنفه المواطنين، فإن أكثر المتفائلين لا يتوقع أن تكون الحكومة المقبلة أكثر حنكة ودراية وقدرة على النهوض بالوطن، خصوصا في ظل التحديات الجمعة وغير المسبوقة التي سترثها، والتي شكلت جائحة كورونا وجعا لا محدود له في الاقتصاد والصحة. بيد أن الأردنيون ممن اعتادوا على العيش في أصعب الظروف ما يزالون يأملون على غير قناعة تامة، بأن يأتي من ينقذهم من حالة التوهان التي يرزخون تحتها.
يأملون برئيس حكومة وفريق وزاري يكونون حريصون كل الحرص على العمل بجدية، ويملكون القدرة على القفز عن معظم المطبات التي تعطل طريقهم نحو الأمام، وتقف في وجه تطوير أدوات الاقتصاد وتحسين نوعية الخدمات الأساسية من صحة ونقل وتعليم. اليوم ننتظر رئيس وزراء يملك شخصية مؤهلة لكل ذلك، لا أن يأتي ليضيف إلى رصيده لقب دولة، ولا أن يأتي لأن يعيش على عرش الدوار الرابع يزهو به، دون أن يشمر على يديه ويعمل بجد. اليوم ننتظر حكومة تدرك المخاطر، وتستعد للتعامل معها وفق رؤى واستراتيجيات وأولويات عنوانها الصناعة الطبية والسياحة والزراعة الحديثة، وليست من نوع الذي يحمل "100 بيضة في يد واحدة"، لا هو استفاد منها، ولا تمكن من إيصالها إلى بر الأمان، فالتركيز على أولويات معينة هي زبدة الانجاز، بدلا من تشعب الخطط وتنوع الاستراتيجيات، والتي تضع لإشباع رغبات الحكومة، وخداع الناس وتخديرهم. لا شك أن أحدا عاقل من الدولة لا يدرك أن استلام موقع رئيس الوزراء اليوم كمصيدة لا يمكن الفرار والهروب من شباكها، حيث لن تكون إدارته للمرحلة المقبلة كشهر عسل، ولن تكون طريقه مفروشة بالورود، إذ أن أشواك عجز الموازنة، وضعف أدوات التطوير، والأوضاع السياسية التي تمر بها المنطقة، لا تترك مسؤولا إلا وتترك جرحا في خاصرته.
رئيس الوزراء القادم لن يكون محظوظا، إن لم يمتلك كل مقومات النجاح، والوطن والشارع لا يمكن لهما أن يتقبلا مزيد من التراجع، إذ أن عامل الوقت في منتهى الأهمية، تحديدا وأننا بلغنا ما بلغناه من تراجع، في ظل عام قادم سيكون صعبا وخطيرا. لن يحقق الرئيس القادم أي نجاح يذكر إذا لم يبدأ بسؤال نفسه "ماذا نريد"، ويتبعه بسؤال آخر "كيف سنصل إلى ما نريد؟".
الأنباط