الحكومة القادمة لما بعد رحيل حكومة الرزاز
د. أنور العجارمة
01-10-2020 12:22 AM
تحدثت بمقالة مفادها بعد مرور 28 شهراً تتهيئ حكومة الرزاز للترجّل دستورياً وفسح المجال لحكومة قادمة؛ وما يهمنا من ذلك تقييم جهود تلك الحكومة وادائها والتي ترأسها دولة الرزاز دكتور التخطيط الحضري بالاضافة للقانون؛ وفي نهاية الامر فأن عّمر الحكومة كفيل بوضع خطه لخارطة طريق وجني النتائج في ظل تلقي دعم ملكي مطلق واستفادتها من مساعدات خارجية كبيرة ودعم دولي والمنظمات الدولية وكسبها لثقة المانحين بالاضافة لتمتعها بوضع سياسي داخلي مستقر ومريح، كما لا عيب بالاشارة للأخطاء لما فيه مصلحة الأردن وعدم التعليق على شماعة ظروف الجائحة والتي يمر بها العالم اجمع، وللأمانة والموضوعية فإننا نتطلع لقياس كفاءة الاداء الحكومي وفقاً لنتائج ودلالات نلمس اثارها بعد ان قدمت الحكومة كافة أجراءاتها الاصلاحية واجتهدت مشكورة بأدارة الملفات التي كُلفت بها؛ ويبقى السؤال الاهم هل اجتثت الحكومة الداء من جذوره لحماية وأنقاذ الاقتصاد الوطني وحماية الدينار وهل هذا كل الاصلاح الذي وعدت به الحكومة في المجالات الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية والتنظيمية والهيكلة واصلاح التشريعات وفق اولويتها لتحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز الشراكة بين القطاعين (العام والخاص) وصيانة الحياة السياسية وتعظيم الرفاه الاجتماعي.
ونحن كمراقبين للشأن الاقتصادي نتعامل مع النتائج ونرى ان توجهات وقرارات الحكومة في معظمها تسببت بأثار سلبية ومكلفة وادت الى تباطؤ النمو الاقتصادي وتضخم العجز التجاري وساهمت في تحجيم الاستثمارات وهجرتها عداك عن تفاقم الدين العام وانفلات عبئ خدمته والذي اصبح يُهدد أمن واستقرار الاقتصاد واما نهج موازنات الحكومة فأنه يخلو من أية رسالة اقتصادية لتحفيز وتيرة الاقتصاد او برامج تعالج تنامي عجز الموازنة والحد من التوسع بالاقتراض او تحقيق نسبي لمبدأ الاعتماد على الذات اضافة لتنامي معدلات الفقر والبطالة والتضخم وتآكل الاجور علاوة على أثارها الاجتماعية في تدني مستويات معيشة المواطنين والتغيير في اولوياتهم وسلوكهم الاستهلاكي كما وتغولت الحكومة على اموال الضمان الاجتماعي وتعاملت شكلياً مع حزم دعم منظمات الاعمال وصورياً في ترشيق الجهاز الحكومي وهيكلته وفشلت في تحقيق مبدأ المساءلة ولم تُراعي ابسط متطلبات المرحلة بعدالة استثمار قدرات ابناء الوطن والعمل بمفهوم الكفاءة في ملئ الشواغر الرفيعة والتي تعاملت معها بشخصنــة ومحسوبية متعذرة بحجج واهية؛ كما وعملت خلال ازمة الجائحة بمفهوم تحريف الحقائق والتلاعب بالارقام وترحيل المشكلات كسباً للوقت.
ومهما يكن من أمر، يجب علينا الاعتراف بمرارة وخطورة المأزق ولم يبقى امامنا امل للتجارب والتسويف في ظل الوضع الاقليمي والدولي غير المبشر بالخير؛ ونجد انفسنا ملزمين بالتعاون مع اي حكومة قادمة لبحث حلول تخرجنا مما نحن به للمحافظة على استقرار الوطن وكرامة شعبه اخذين بعين الاعتبار ان مسيرة الإصلاح الطويلة للحكومات المتعاقبة وتبّني برامج التصحيح لصندوق النقد الدولي لم تؤتي اكُلها وبقي اقتصادنا يعانى في السنوات العشرة الاخيرة من ازمات مالية سببها اختلالات تنظيمية وهيكلية وافراط في تمويل عجز الموازنة بالاقتراض ورافق ذلك سوء توجيه الانفاق في ظل محدودية استجابة النشاط الاقتصادي مقرونناً بالاستدانة، كما اننا مدركين أن عجلة الانتاج لن تعود الى ماكانت عليه الا بإنتهاء الوباء عالمياً باعتبار ان الاردن يعتمد على الغير في الاستيراد والتصدير وتسويق الخدمات والكفاءات فان التبِعات مازالت تتوالى بشكل مباشر على الخزينة العامة وعلى منظمات الاعمال واصحاب المهن والاردنيين العاملين والمغتربين ورافق ذلك تعّطل كلي و/أو جزئي لادوات تحفيز الاقتصاد الاردني والمتعارف عليها عالمياً، حيث نجد الموازنة العامة مقننة ولاتحتوي على موارد من شأنها تنشيط الاقتصاد وانعاشه واقتصارها على نفقات جارية واخرى راسمالية غير منتجة، واما ادوات الاستثمار فهي غير محفزة للاستثمار بالشكل المرجو بسبب البيروقراطية والتغول على الاستثمار والمستثمرين، في حين ان الجهاز المصرفي يعاني من محدودية القدرة الاقراضية لمزاحمة القطاع العام للخاص.
لذا؛ يجب علينا التفكير باجراءات إصلاحية طويلة الأمد (إصلاح اقتصادي يسبق الإصلاح السياسي) والتأسيس لمعالجات جذرية وتحمل المسؤولية تجاه نتائجها وهذا يفرض على الحكومة الجديدة تبني رؤى ابتكارية جريئة في كافة المجالات وتجذيرها بخطه وطنية شعارها تكويّن متكئ لدولة تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع واستنباط خارطة طريق تنفيذية بحُلة جديدة مدعمة بمؤشرات للمساءلة وتوجهات مهنية لمعادلة تنمية عادلة ومتكاملة بأستخدام ادوات غير تقليدية للتخلي عن السكون الاقتصادي واحداث أثر ايجابي على الناتج الوطني وزيادة ايرادات الخزينة بما يضمن رفع تنافسية الاقصاد وعودة مستدامة لبوصلة جوهر ازمتنا والمتمثل بعجز الموازنة وتواضع النمو الاقتصادي والتي ستكون اساس للسيطرة على كافة مشكلاتنا بما فيها ضبط جماح الدين العام، وضبط عجز الموازنة وتعزيز الميزان التجاري بالاضافة لتوليد وظائف بطريقة ابتكارية والحد من معدلات الفقر وتأكل الاجور ومن اهمها:
اولاً: التحفيز الاقتصادي: اتخاذ حزمة من الإجراءات التي تنشيط النمو الاقتصادى بشكل يفوق نسبة النمو في عدد السكان ونسبة نمو الدين العام، لذا وجب على الحكومة تحليل واقع الاقتصاد وتبني القطاعات والافاق الاكثر تأثير واستجابة ووضع معادلة للتنمية تقوم على اساس بعدين احداهما يتمثل بأبتكار أفكار جديدة تتحول إلى أنشطة استثمارية واقعية واخرى صيانة وتطوير الأنشطة الاستثمارية القائمة سعياً لتحقيق الاستثمار الامثل وتعود بالنفع على اطراف المعادلة (الخزينة والمستثمر والمواطن) اخذين بالاعتبار أثر المضاعف من زيادة الاستهلاك والإنتاج .
ثانياً: التحول في علاقة الشراكة بين القطاعين: يجب مأسسة وتجذير شراكة القطاعين الخاص والعام بعيداً عن عقلية الجباية التي يتحكم بها القرار المالي وبما يكفل الثقة بمفهومها الجديدة لتطوير المجتمعات بغض النظر عن الربحية والعوائد المالية والتي تتطلب توجيه الاستثمار الحكومي ليكون أكثر حضوراً في القطاعات الاستراتيجية ومرتكزات تحفز النمو الاقتصادي في حين يولي القطاع الخاص جل اهتمامه للنمو واستثمار الفرص وتعظيم المنفعة لتحقيق قيمه مُضافة من شأنها توجيه هيكل الاقتصاد الوطني نحو التنافسية وتحقيق نمو منصف يوفر أنواعا جديدة من الوظائف.
ثالثاً: توجية الاقتصاد للأبتكار: اثبت جدوى الابتكار وقدرته على قيادة نمو اقتصاد بلدان بأكملها وبأعتباره لايقتصر على دولة دون اخرى والحاجة ملحة لعقول تقدم حلول للتحديات العالمية المشتركة وهذا يفرض على الحكومة تحليل نتائج اقتصاديات الجائحة وتبني القطاعات الواعدة التي اثبتت اهميتها (لاسيما مع تنامي الطلب على الدواء والغذاء والطاقة والمياه وتكنولوجيا المعرفة...) بالاضافة لتنظيم ورعاية حواضن المواهب التقنية والتحول الرقمي ومأسستها وإعطاؤها مزايا تحفيزية لايجاد منتج تكنولوجي رقمي اردني في ظل التوجه العالمي الرقمي.
رابعاً: تعزيز اقتصاديات العمل: ان اساس التنمية المستدامة يأتي برفع سوية التعليم وتجسير الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات الاقتصاد الحديث لدعم خطط التنمية الاقتصادية وتلبية احتياجات اسوق العمل لانتاج كفاءات ذوي مهارات معرفية متخصصة؛ وعليه يجب استثمار الميزة العمرية للاردنيين وتميزها برغبة التعلم وميولها للعمل وايلاء الاهتمام لرفع سويتها بتوفير تخصصات واعتماديات مهنية دولية وانتاج كفاءات قادرة على اردنة الوظائف وتوافقها مع متطلبات اندماجها بأسواق عالمية لتهيئة سبل منافستها خارج حدودنا الاردنية (لاسيما مع تنامي الطلب على الملكية الفكرية، التصميم العمراني، التصميم والازياء، احتراف اللاعبين، التصميم والرسم الرقمي، الإنتاج الموسيقي، الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلـة ...) بالاضافة الى توجيه الجامعات الاردنية الى وقف التخصصات الراكدة والاستعاضة عنها بتخصصات جديدة وفق متطلبات اسواق العمل هذا بالاضافة الى التوجه نحو المهنية والتخصصية حيث لايمكن ان نتقدم ونبدع مالم يكن لدينا جامعات متخصصة بعيداً عن التعددية (جامعات طبية/ جامعات هندسية/ جامعات علوم انسانية ..).
خامساً: الاصلاح المالي والنقدي: رغم كل الاجراءات المصيرية الهادفة لمعالجة التشوهات المالية في موازناتنا المتتالية في ظل ضيق الحيز المالي للموازنة وتمحورها بوسائل تقليدية آنية غير متناسقة مع اي استراتيجيات طويلة الأمد، لذا وجب على الحكومة اتخاذ عدة اجراءات اصلاحية تتضمن حلولاً واستراتيجيات طويلة الأمد ومنها تعطيل قانون الفوائض المالية وتوحيد الموازنة العامة ضمن موازنة موحدة (حكومة مركزية ووحدات مستقلة) واعادة تقييم استثمارات الدولة المتناثرة وتوحيد المرجعية بالاضافة لهيكلة الدين العام وضبط عبئها على الموازنة العامة الى جانب أعادة النظر بمكون رصيد الدين القائم واحداث توازن نوعي في هيكل الدين القائم والمحافظة على كلفتها بحدودها الدنيا وتأجيل خدمة الدين بالتوافق مع الجهات المانحة والكف عن مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص بالاضافة لتنشيط قدرة البنوك الاقراضية وترك مجال من لعب دورها تجاه تنشيط الاقتصاد بضخ سيولة في السوق تسديداً لجزئ من المديونية الداخلية؛ وضمانناً لنجاح اجراءات تحفيز الاقتصاد والاعتماد على الذات فأن الامر يتطلب من الحكومة أتخاذ اجراءات لصيانة البنية التحتية بهدف ضبط تكاليف الهدر غير المبرر في الطاقة والمياه وضبط الفاقد من تبخر المصفاة واعادة النظر بمكون خليط الطاقة واستخدام الانسب لواقع الحالة الاردنية مع مراجعة لعقود توريد الطاقة والكهرباء والغاز الطبيعي والمسال وتنظيمها وضمان اعادة التسعيير بشكل دوري وفقاً للمستجدات.
سادساً: الموازنة وخارطة الطريق: الموازنة العامة ملخص لنهج سير الحكومة ونرى ضرورة تغيير لغة ونهج الخطابة بربط الانفاق العام بالنتائج المنبثقة من اهداف وبرامج وأولويات وطنية في المجالات المختلفة و قياس كفاءة الانفاق من خلال منظومة مؤشرات تحقيقاً للشفافية وتعزيز المساءلة وصولٌ للاستخدام الامثل للموارد المتاحة مع مراعاة اتخاذ اجراءات اصلاحية مستدامه من شأنها تعزيز ايراد الخزينة وضبط العبئ والنزيف المالي غير المبرر في بنود الموازنة المختلفة بالاضافة للاهتمام بملفات الاقتصاد الاجتماعي (البطالة، الفقر، مستوى المعيشة وحماية توزيع شرائح المجتمع ...) بتوجيه وتعظيم الانفاق الراسمالي في الموازنة لخلق مشاريع مدرة للدخل وايجاد فرص وظيفية حقيقية.
سابعاً: الاصلاح الاداري والترشيق الهيكلي: التنظيم الهيكلي يلعب دوراً مؤثراً في دفع دوران عجلة التنمية الاقتصادية من خلال تبسيط الاجراءات وإزالة العراقيل ووضع معايير للأداء والإدارة المالية السليمة مما يعزز نمو منظمات الاعمال ويشجع نمو الاستثمارات ومضاعفة القيمة الاضافية؛ ولن نُحقق تطور لأداء المؤسسات الحكومية مالم يتم اعادة النظر بفلسفة العمل والأحمال الزائدة واجتثائها وهذا يتطلب اتخاذ عدة إجراءات لترشيق المجلس الوزاري وهيكلة المؤسسات العامة والهيئات المستقلة واخضاعها للتقيم مقارنة بالغايات التي أنشئت من اجلها باعتبار ان بعضها وصل للنضوج والبعض الاخر يشوبها ضعف الاداء والإمكانيات وغيرها تتداخل مسؤولياتها وفي النهاية على حساب الخزينة وجودة الخدمة لمتلقيها النهائي.
ثامناً: اصلاح سوية التعليم: يجب أعادة النظر بالتعليم المدرسي ورفع سوية التعليم الجامعي آخذين بعين الاعتبار ان النهج الحالي اضعف مؤسساتنا التعليمية (مادياً وادارياً ومهنياً) وتدنى مستوى مخرجاتها وكبد الخزينة نفقات غير مبررة وهذا يتطلب اتخاذ عدة إجراءات لرفع سوية اطراف عملية التعليم المدرسي والمتمثل بالطالب والمعلم والمدرسة والمنهج بالاضافة لالزامها بتحقيق مؤشرات اداء ملموسة (قياس الانجازات، الابداعات الطلابية، المواهب الطلابية) واما التعليم الجامعي فان الضرورة تقتضي اعادة النظر بمسؤوليات الجامعات وهيكلتها اخذين بعين الاعتبار ان الممارسات الحالية اضعفت جامعاتنا وبالتالي لابد من الزام الجامعات الحكومية بالاعتماد على الذات اسوة بالجامعات الخاصة وباعتبار أن لديها مواردها واستثماراتها وصناديقها وتمتلك المجمعات والمستشفيات والاراضي الاستثمارية وبرامج تعليم تجارية (موازي ودولي).
املين من كافة الاردنين واصحاب العقول الحكيمة المبادرة لطرح افكار بناءة تستحق تبنيها للمساهمة في بناء خارطة طريق لإنعاش الاقتصاد الاردني واعادة توجيه بشكل ايجابي يضمن أيجاد منهج للاصلاح المستدام بعيداً عن الضبابية.