وحين يرحل مثله، فصاحباه الندى والجود، والموقف العروبي، ونهضة استأنفها في الكويت، في الإنسان وفي التنمية وفي الديمقراطية، حتى إذا استوى له مقام الحب والمودة من الشعب والمؤسسات، أسلم الروح قرير العين رضي النفس متصالحا مع مواقفه ومبادئه وسيرته التي حافظ على التوازن فيها مع كل الأضداد، يرحل وتبقى الكويت وأميرها الجديد، تستأنف الود الذي تحمله للعالم وتنهض بأيقونة هذه الدولة الفتية، وبرسائلها المغلفة دوما بالسلام والمحبة والتوازن.
رحل صديق الأردن الوفي، رحل ونعاه جلالة الملك نعي الأخ لأخيه والفارس للفارس: "فقدنا اليوم أخاً كبيراً وزعيماً حكيماً مُحبّاً للأردن سمو الشيخ صباح الأحمد رحمه الله كان قائداً استثنائياً وأميراً للإنسانية والأخلاق، كرّس حياته لخدمة وطنه وأمته ولم يتوانَ في مساعيه الخيّرة عن بذل كلّ جهدٍ لوحدة الصف العربي، نعزي أنفسنا والشعب الكويتي الشقيق بهذا المُصاب الجلل".
قلت قبل خمسة أعوام في الكويت، واقتبس: لَمْ تَكُنْ الكويتْ، أيُّها السادةْ، سوى رقمٍ صعبٍ في التاريخِ المجيدِ لأّمّةِ العربِ المجيدةْ، ولمْ تَكُنِ الكويتْ في مقامِ بناءِ الحضاراتْ سِوَىْ فارسٍ أَسْرَجَ خَيْلَهُ ثمَّ أَطْلَقَها تُحَمْحِمْ بمبادىءِ العُروبةِ الخالدةْ منذُ الاستقلالِ لِتسّتَمرَّ وتزيدْ، ولم تكنِ الكويتْ أبداً، رقماً سهلاً في كلِّ مَخَاضاتِ الأمةِ العصيبةْ، فقدْ سَجّلَتْ علىَ الدوامْ موقِفاً عُروبياً شُجاعاً وصادقا، ومَنْ مِنْ جيلنِا سينسَى أنَّ الأميرَ الشهيدْ فَهْدِ الأحمدِ الصُباح، كانَ في طَليعةِ منْ دافعوا وقاتلوا عنْ فلسطينَ ولَهَا، وقد كتبَ في غَوْرِ الأردنِّ بتاريخِه المجيدْ حُروفاً من بطولَتِهِ وشهامَتِهِ وعُروبَتِهِ، يومَ كانَ قائداً لإحدىْ قواعدِ العملِ الثوريِ العربيْ الذي كانَ ينطلقُ مِنَ الأردنِ نحوَ فلسطينْ، مَنْ مِنّا سينسَى رجالاً مِثْلَهُ صناديداً وعروبييّنْ، حملوا همَّ الأمّةِ وكانوا نُجوماً مضيئةْ في سمائِها، تحيةً للكويتْ القائدِ والشعبِ والأرضْ، تحيةً لها وقدْ أَغاثَتِ الناسْ وحمَلَتْ عنْ كَواهِلَهِمْ عِبَء السنينِ العِجَافْ، تحيةً لها وهيَ تَأخُذُ مِنْ قِدْرِهَا لِتَضَعَ في قٌدُورِهِم، وهذا دَأْبُهَا وأَيْمُ الله، دولةً حداثيةً حضاريةْ منذُ أَنْ كانتْ... وإنْ كُنْتُ قدْ بدأتُ بما تَسْتَحِقّهُ الكويتْ، فَلِأَنَّ لها دينٌ في أعناقِ الأمةْ كبير.
أعيد ما قلته، وأنعي لكل العروبيين ولكل دعاة التنمية والديمقراطية، أميرا صادقا وفارسا عربيا، أعلى من شأن بلاده، وكان أخا لنا في الملمات، ولمثله نتمثل تجليات الرثاء عند أبي تمام:
وَما كانَ إِلّا مالَ مَن قَلَّ مالُهُ..
وَذُخراً لِمَن أَمسى وَلَيسَ لَهُ ذُخرُ..
وَما كانَ يَدري مُجتَدي جودِ كَفِّهِ..
إِذا ما اِستَهَلَّت أَنَّهُ خُلِقَ العُسرُ..
أَلا في سَبيلِ اللَهِ مَن عُطِّلَت لَهُ..
فِجاجُ سَبيلِ اللَهِ وَاِنثَغَرَ الثَغرُ..
فَتىً كُلَّما فاضَت عُيونُ قَبيلَةٍ..
دَماً ضَحِكَت عَنهُ الأَحاديثُ وَالذِكرُ.
وعلى روحه السلام،،