روى لي السيد عبدالرحيم السحيمات وهو أحد الموظفين السابقين الكبار في وزارة التربية والتعليم أن التربوي الكبير المرحوم حكمت الساكت وزير التربية الشهير, دخل ذات يوم إلى قسم التخطيط في الوزارة وسأل الموظفين في القسم عن جدوى جلوسهم في مكاتبهم, ثم قال أن "على الواحد منهم أن يكون "دوّاجاً" يحمل "مَدّتَه" على أكتافه يقص ويخيط حسب ما يتطلب الميدان". ومعنى تلك العبارة لمن لا يعرف, أن على المخطط أن يكون مثل "الدوّاج" أي بائع الأقمشة المتجول الذي كان يتردد على مختلف القرى وهو يحمل "مَدّة" القماش على كتفيه يقص منها للزبائن أو الزبونات حسب طلب كل منهم أو منهن.

بهذه الطريقة تم بناء تجربة التعليم المدرسي في الأردن وخاصة منذ بداية النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي وحتى ثمانينياته, وهي التجربة التي نشرت المدارس ولاحقت أبناء الناس وبناتهم إلى حيث يتواجدون في أقصى مواقعهم وتجمعاتهم. في ذلك الزمن كان الإنسان فعلاً هو محور العملية التربوية.

السيد عبدالرحيم السحيمات روى لي أيضاً فيما روى كيف أنهم ذات يوم وقد كانوا في إحدى الطائرات العمودية في مهمة لتفقد بعض المدارس في التجمعات البعيدة حيث كانت القوات المسلحة تتابع شؤون التعليم وتقيم وتشرف على المدارس فيها, أن عاصفة رملية هبت عليهم ودفعتهم إلى الشرق ليجدوا أنفسهم بعد ساعات من الضياع في الظلمة داخل الحدود العراقية بمسافة تصل إلى ثمانين كيلومتراً. لقد كان السيد سحيمات يتحدث وهو يشعر بالفخر بتلك الأيام.

أضع تجربة ذلك الزمن بين يدي وزير التربية الحالي لكي أقول له: استقل يا رجل.0

ahmad.abukhalil@alarabalyawm.net
العرب اليوم