العودة للحديث عن الكورونا ودور المواطنين
اللواء المتقاعد مروان العمد
29-09-2020 01:35 PM
في القسم الاول من حديثي هذا تحدثت عن اخطاء الحكومة ومسؤوليتها عن زيادة حالات انتشار وباء كورونا في البلاد وتحدثت عن القرارات الخاطئة التي اتخذتها وعن التناقضات التي وقعت بها ، وعن مسؤوليتها عما حصل في المعابر البرية والجوية وعن قرارات اعادة فتح المدارس والجامعات وعن الحالة التي اصبحت عليها مستشفيات وزارة الصحة ، وعن التناقضات في تصريحات المسؤولين والمطبات التي وقعوا فيها ، وعن قرارات الاغلاق التي اتخذتها في الايام الماضية . وفِي نهاية حديثي تساءلت فيم اذا كانت هذه الحكومة التي هي في طريقها الى الرحيل خلال الايام القادمة هي وحدها المسؤولة عن هذا الانتشار المتزايد لهذا الوباء ؟ وهل كانت تستطيع هذه الحكومة او الحكومة التي ستحل محلها ان تقضي عليه او ان تخفف منه او تسيطر عليه دون دور من المواطن الاردني ؟ وهل يقوم هذا المواطن بدوره ؟
وعن هذا سيكون حديثي اليوم . اعرف ان ما سوف اقوله في هذا الموضوع لن يلقى موافقة من البعض ، ولكن ومع ذلك فأني سأقول ما اود ان اقوله ولو كان آخر حديثي .
وفِي البداية فأنني وحيث سترد كلمة الحكومة فأني ساعني التي سترحل والتي سوف تأتي . واقول هل تستطيع الحكومة ان تقضي على هذا الوباء او تسيطر عليه من غير تعاون المواطنين عبر التزامهم بأرشادات الوقاية منه مثل استخدام الكمامات والقفازات في الاماكن المغلقة والالتزام بالتباعد الجسدي وعدم المشاركة بأي تجمع يزيد على عشرين شخصاً ، في حين تقول استطلاعات الرأي ان اكثر من نصف الشعب الاردني لا يصدق بوجود هذا الوباء من اساسه ؟
وهل تستطيع الحكومة ان تنجح بذلك بوجود نسبة كبيرة ممن يصدقون بوجود الوباء ، ولكنهم لا يقتنعون بجدوى إجراءات الوقاية منه ، بل ان البعض يروج الى ان استخدام الكمامات هو الذي يؤدي الى زيادة انتشار الوباء والى تعرض مستخدميها لامراض قد تؤدي بحياتهم ؟ . وهل تستطيع الحكومة ان تفعل ذلك وفينا من هم ليسوا مستعدين للتنازل عن كثير من عاداتنا وتقاليدنا حتى لو كانت سيئة ، وحيث ان الكثيرين من المواطنين مصرين على اقامة الاعراس والليالي الملاح مع الاقارب والاصحاب والخلان وفِي الخفاء عن أعين الحكومة وفي المزارع او المتنزهات او خلف ابواب البيوت المغلقة ، حيث يتم تبادل التهاني بطريقتنا المعتادة وهي التسليم والتقبيل . وحيث الكثيرين من المواطنين لا يزالون مصرين على المشاركة بمناسبات العزاء حيث كان يتجمع حول بعض عمليات الدفن المئات من المشيعين والذين لا تصح تعزيتهم الا بتقبيل جميع من يقف لتلقي العزاء ، وحيث لا يزال البعض يصر على القيام بواجب العزاء شخصياً بالرغم من ان التعليمات تنص على الاكتفاء بالاتصالات الهاتفية او عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي . وحيث ان البعض لا يزال يقيم صيوانية العزاء ويستقبل المعزين فيها بالقبلات ويودعهم بمثلها . ولا زالت المناسف تقدم في هذه الصيوانيات والرجال يتحلقون حولها الكتف بالكتف . واذا ما قامت الاجهزة الامنية بهدم هذه الصيوانيات كان يقام غيرها وان بحجم اصغر وخلف البيوت مع استمرار تقديم المناسف . ويبدوا ان عزاء السيدات لا تشمله هذه التعليمات حيث يتجمعن في منزل العزاء بالعشرات وهن يحضنون اسرة المتوفي ويواسونها بعد ان يكنً قد قرأن المعوذات وتوكلن على الله قبل خروجهن من منازلهن . اما في المقاهي والكوفي شوبات فقد تهاوت كل المحظورات قبل اعادة اغلاقها المؤقت حيث كانت تمتلئ على كامل سعتها وحيث كانت تقدم الاراجيل في داخلها ، ويتشارك عدة اشخاص باستعمال ارجيلة واحدة وخاصة من الجنس اللطيف .
وهل تستطيع الحكومة ان تفعل ذلك وقد سيطرت على عقلية بعض المواطنين نظرية المؤامرة وعلى مختلف سيناريوهاتها مما يتم نشرها من خلال فيديوهات او تصريحات تنسب الى جهات واطباء لا نعرف فيما اذا كانوا هم موجودين او غير موجودين أساساً ، مثل الدكتور الالماني ذي الاصول التونسية والذي تبين ان قصة اكتشافه لقاحاً مضاداً للفيروس ليس الا عمليات فبركة واحتيال ، او ممن ثبت انهم ليسوا اطباء وانما نجوم سوشال ميديا او اطباء ولكن ممنوعين عن مزاولة الطب لمسلكياتهم الشاذة او انهم ليسوا من اصحاب الاختصاص ، او انهم من تلامذة المدرسة الترامبوية بالنسبة لهذا الوباء والذي يستخدمه لاهداف سياسية واقتصادية وانتخابية بالقاء مسؤوليته على الصين وتسميته بالفيروس الصيني والذي يعارض استخدام الكمامات ويعد بطرح اللقاح المضاد له قبل ايام من الانتخابات الرآسية .
وهل تستطيع الحكومة ان تسيطر على الوباء مع وجود من هم مقتنعين ان وراء هذا الوباء قوى اقتصادية كبرى تسعى للسيطرة على العالم من خلال القضاء على غالبية البشر واختصارهم على خمسمائة مليون انسان فقط دون ان يبينوا ماهي مصلحتهم من ذلك ، مع ان المنطق يقول ان مصلحتهم في زيادة عدد البشر حتى يتحكموا بهم ويجعلونهم يعتمدون عليهم بتزويدهم بالتكنولوجيا وبالمنتجات الطبية والغذائية والاستهلاكية وحتى الاسلحة ليقتتلوا بها ويزيدوا ارباحهم من صناعتها وتجارتها . ان هدف من يروج لهذه الافكار هو زيادة عدد المصابين بالوباء حتى يحقق بيع اللقاح الذي سيتم انتاجه او الذي يمكن ان يكون قد تم انتاجه قبل انتشار هذا الوباء من اجل تحقيق عشرات مليارات لدولارات ارباحاً من ورائه ، وهذه هي المؤامرة ان كان ثمة مؤامرة.
وكيف تستطيع الحكومة ان تحقق ذلك مع وجود من حاول استغلال الوباء لتحقيق اهداف سياسية او الذين يعتقدون ان الوباء او الادعاء بوجوده هو لتحقيق مثل هذه الاهداف . والذين ذهبو للقول ان الهدف من الوباء هو محاربة المسلمين والقضاء عليهم وكأن جحافل قوات المسلمين قد اعتلت سور الصين العظيم ووصلت بحر الشمال وحاصرت شواطئ الامريكيتين ووصلت رأس الرجاء الصالح حتى يجمع العالم كله بمختلف شعوبه ودوله ودياناتهم ومعتقداتهم ومذاهبهم على محاربتهم بهذا الوباء كوسيلة للقضاء عليهم ولو قضت شعوب العالم على نفسها في سبيل تحقيق ذلك بنفس الوباء ، في الوقت الذي اصبح فيه المسلمين كغثاء السيل ولا يجيدون الا قتال بعضهم البعض . وانا عن المسلمين ودولهم اتحدث ولا اتحدث عن الاسلام . او الذين يقولون ان الفيروس هو جند من جند الله لتدمير اعداء الاسلام وانه لا يمكن ان يصيب المسلمين مع انهم من ضحاياه . والذين يقولون ان الفيروس لا يمكن ان يعيش في المساجد وانه لهذا السبب لا يجوز اغلاقها لا شرعاً ولا قانونا ، وانا وان كنت من معارضي اغلاقها واطالب بأعادة فتحها لكن مع الالتزام بالتعليمات التي تم وضعها وهي التباعد واحضار السجادة الخاصة او التي تستخدم لمرة واحدة الامر الذي تم تطبيقه بعد رفع الحظر السابق لمدة اسبوعين او ثلاثة فقط ثم عاد التلاصق في صلاة الجمعة وحتى في الصلوات العادية والتي لا يحضرها الا عدداً محدود من المصلين حيث تم العودة الى تقاربوا تلاصقوا وسدوا الفرج حتى لا يدخل الشيطان بينكم ، متجاهلين وجود الفيروس او معتقدين انه لا يدخل بيوت الله كما قال بعضهم وافتى بذلك ، ودليلهم على ذلك عدم حصول حالة عدوى داخل المساجد الامر الذي لا يمكن اثبات صحته . حيث ان العوارض لا تظهر فوراً وداخل المسجد ولكن بعدها بأيام واثناء تواجد من اصيب بالعدوى في منزله او مكان عمله ، ولأن بعض من يرتاد المساجد هم يرتادون اماكن الافراح والاتراح ويتبادلون السلام والقبل مما يعرضهم للاصابة بالوباء ونقله معهم لداخل المسجد . ولا يقول قائل ان الاتزام في المساجد كان لا يزال متبعاً قبل الاغلاق الاخير . ولايقول قائل كما درجت المعارضات العدمية وبعض الجماعات الدينية ان الهدف من اغلاق المساجد من قبل الحكومة هو لمحاربة الاسلام والذي صمد قرناً ونصف القرن امام كل قوى الشر في العالم والتي حاولت ان تهزمه من قلوبنا ولم تنجح بل أزداد رسوخاً وتعمقاً في قلوبنا وعقولنا . واذا كان اغلاق المساجد لفترات محدوة فرضتها الضرورات التي تبيح المحظورات سوف يؤثر في ايمان البعض باسلامهم فهذا يدل على انهم لم يكن لديهم هذا الايمان من الاساس . ان غرض من يقول ذلك هو استغلال الشعور الديني لدينا لتحويله الى اعمال فوضى وخروج على النظام . لقد اغلقت حركة حماس والتي تعتبر امتداداً للاخوان المسلمين المساجد في قطاع غزة ، فهل هي تحارب الاسلام والمسلمين ؟وهل اغلاقها للمساجد حرباً على الاسلام المسلمين ؟ اتقوا الله يا اصحاب المعارضات الكرتونية ، اتقوا الله يا اقطاب وزعماء الجماعات الاسلامية الذين يتباكون على اغلاق المساجد . اتقوا الله يا من تحرضون على فتحتها بالقوة . اتقوا الله ليس بالحكومة فالحكومة راحلة لا محالة . ولكن اتقوا الله بالاسلام والمسلمين . ان سيد البشرية رسول الله صل الله عليه وسلم ،كان عنده ان تهدم الكعبة اهون علية من ان يسال دم مسلم ويمكن القياس على ذلك تعرضه لوباء قاتل .
وكيف تستطيع اي حكومة ان تنجح بذلك في ظل هذا النشاط الواسع على وسائل التواصل الاجتماعي ونشر معلومات عن الوباء قبل التأكد من صحتها ، ونشر الاشاعات والاخبار الكاذبة والمفبركة التي تهدم المعنويات وتنكر الانجازات ، وانتشار ظاهرة ادانه موقف الحكومة ان فعلت وادانتها من نفس الاطراف ان لم تفعل . بالاضافة الى انتشار ظاهرة النقد والتجريح لكل ما يقوم به المسؤولين والذي وصل في الكثير من الاحيان لمرحلة التنمر والاساءات الشخصية لرجال عملوا بكل اخلاص وبأكثر من قدرتهم وطاقتهم لمواجهة هذا الوباء مع احتمال تعرضهم وافراد اسرهم للاصابة به .
لقد ضرب فيروس كوفيد 19 دول العلم اجمع واخترقها وعجزت جميعها بما تملكه من امكانيات مالية و علمية وطبية ان تمنع ذلك بقوتها الذاتية . لا فرق بذلك بين دول ديمقراطية او ديكتاتورية ، دول متقدمة او متأخرة ، دول صالحة او فاسدة ، دول دينية او لا دينية . لم تستطع جميع هذه الدول ان تفهم هذا الفيروس ولا كيف تتعامل معه . وكان تعاملها معه عن طريق التجرية والخطاء ، والتي كثيرا ما كانت تفشل ثم يتم استخدام اساليب جديدة . وعندما كان بعضها يعتقد انها اقتربت من ان تنتصر على هذا الوباء حتى يشن عليها هجوماً جديداً مستعملاً خططاً واستراتيجيات مختلفة .
لقد فرضت الكثير من دول العالم قيوداً على شعوبها وقيدت حركتهم وفرضت عليهم استخدام وسائل للوقاية منه واهمها التباعد وتجنب التجمعات واستخدام الكمامات . ولقد قاومت فئات من شعوب العالم هذه الإجراءات في حين ان بعضها تفهم اهميتها والتزم بها من غير انزال الشرطة والجيش الى الشوارع خاصة في الدول المتقدمة بالرغم من ان بعضها لا زالت تعاني من عدم الالتزام التام من مواطنيها بتعليمات الوقاية هذه مما اعاد الوباء اليها اقوى مما كان وجعلها تأخذ اجراءات وقاية واغلاقات اكثر من السابق . الدول التي خرجت باقل قدر من الخسائر هي التي وجدت تفهماً اكثر من شعوبها واتباعهم لطرق الوقاية من الوباء . فكيف يراد من حكومتنا على ما هي عليه ان تكون اقوى من معظم دول العالم من غير ان نمارس نحن كشعب دورنا في حماية انفسنا مكتفين بتحميلها مسؤولية كل اصابة تحدث .
الآن والى حين ايجاد لقاح لهذا الفيروس وتجربته واستعماله لمدة لا تقل عن سنتين للتأكد من مدى نجاعته وما هي الآثار السلبية له في المستقبل ومداها ، فليس امامنا سوى استخدام وسائل الوقاية منه وهي التباعد وارتداء الكمامات والقفازات اذا اقتضى الامر واستعمال المعقمات والمطهرات والتعاون ما بين شعوب هذا العالم وحكوماته في هذا المجال لأنه هذا هو الامل الوحيد لنا في البقاء سالمين الى ان يتمكن احداً ما ان يضرب هذا الفيروس ضربة قاضية بلقاح يقضي على مفعوله .
لا اقول ان الحكومة فوق الانتقاد في كل ماتقوم به حتى في موضوع الوباء . ولا اقول انه يجب ان لا نتحدث عن الفساد ولا ان نطالب بمحاربته . ولا اقول ان لا نطالب بحقوقنا وغيرها من هذه الامور . ولكن الذي اطالب به عدم تسخير هذا الوباء لمناكفة الحكومة عن طريق عدم الاستجابة لتعليماتها باتباع طرق الوقاية منه . والا فأنه لا فائدة من الحديث عن السيطرة على الوباء لا من قبل الحكومة ولامن قبل الشعب . ولترفع كل القيود والاغلاقات التي تعلن عنها الحكومة ولتعلن الانفتاح العام والشامل . وليتوقف الناس عن ارتداء الكمامات واتباع التباعد ولنعلن سياسة وقاية القطيع ولننتظر لنعرف من الذي سوف ينتصر في هذه المعركة نحن ام الفيروس مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات وليعيش من يعيش ليصل الى هذه المرحلة ، وليموت من يموت فأنا للله وانا اليه راجعون .
وحمى الله الاردن وشعب الاردن وقيادة الاردن