حكومة ومجلس أعيان وانتخابات قادمة
فايز الفايز
29-09-2020 12:36 AM
كان واضحاً منذ حديثه الأول لنا قبل أشهر، أن جلالة الملك قد تجاوز عقدة الحكومات المترددة والشخصيات المتفردة والمسؤولين الذين يريدون بقاء الوضع على ما هو عليه أطول فترة متعذرين بأي ظرف، حتى لو كانت سحابة صيف ماطرة، ولهذا كان مضمون حديثه عن الالتزام بالاستحقاق الدستوري، فيما يتعلق بإجراء الانتخابات وتجديد مجلس الأعيان وتشكيل حكومة جديدة، واضحاً تماماً في قوله: «لن يعيقنا أي شيء عن تحمل مسؤوليتنا تجاه الاستحقاق الدستوري وإجراء ما يلزم، وقد تعاملنا مع ذلك حتى في أصعب الظروف عندما كانت الحروب والقلاقل والأخطار ت?يط بنا»، وهو اليوم قد نفذ ما قاله بمسؤولية المرجعية الأولى والأخيرة.
جلالة الملك لم يكن راضياً عن بعض الإجراءات، خصوصاً فيما تعلق بالمواطنين، ولكن التخبط الذي ساد فترة من الزمن بين المسؤولين أعطى الانطباع بان السكوت عنهم غير مبرر، وهذا الانطباع قاده فريق من المتحفزين للانقضاض على المناصب التي يحلمون بها وهم على طاولات السمر، وأولئك ليسوا من طبقة المواطنين العاديين أو الشخصيات التي تحترم أنفسها وتضطلع بدور الناصحين بحق، ولهذا جاءت الإرادة الملكية بحل مجلس النواب قبل أن يحتفل بعيد ميلاده الخامس بسويعات، ما سجل للملك انحيازه للشارع الأردني دون إبطاء للقرار أو تسويف بالدستور، ح?ى المتعارضين مع القرارات الرسمية شملهم السرور بنهاية حقبة كئيبة.
اليوم يبدأ الأردن من جديد ليدخل العشرية الثانية من هذا القرن باتجاهات لم يتبين بعد دروبها، ولكنها ستكون تجديداً لنهج التغيير المشروع في السياسات البليدة، ولن نرسم الخارطة بالألوان الزاهية فجميعنا يعرف حدة المستقبل الذي يقبل علينا بالأيام والأشهر الثقيلة، في ظل تعاظم خطر الوباء وتراجع الميزان التجاري وتفشي الفقر بين المواطنين وعدم الاكتراث من قبل مجموعات المال والأعمال المتخمين، والجميع يضع اللائمة على الحكومة، فيما الإسناد يجب أن يأتي من الجميع بتشاركية واضحة تخرجنا من هذا التحول الكبير في الحياة غير الطبي?ية كما اعتدناها سابقاً.
إن إعادة تشكيل مجلس الأعيان ورحيل الحكومة الحالية وقدوم رئيس جديد ليشكل حكومته ويجري الانتخابات عاجلاً أم أجلاً في ظل هذا الظرف السيء يدل على الشجاعة في اتخاذ القرارات التي تتجاوز العقبات والتحديات الملازمة لمسيرتنا المثقلة، ولهذا يجب على جميع من هم في مواقع المسؤولية أن ينطلقوا من لحظة الصفر بكل ما أوتوا من جهد مخلص للمساعدة في خدمة الوطن والمواطنين الذين هم ذخيرة الدولة في كل مكان، دون تقاعس ولا تنافس ولا همز ولمز، فالكل شركاء في الغُرم والغُنم، ويجب العودة الى الثوابت الوطنية واحترام الشعب واكتساب ثقته.
الأردن اليوم تنتظره تحديات سياسية واقتصادية مرهقة، في ظل تراجع العالم العربي وانكفاء كل دولة على ذاتها، وبحث البعض عن مصالحها خارج حدودها، وبقي الأردن الوحيد الذي يجابه الاحتلال الإسرائيلي وجهاً لوجه متحالفاً مع شعبنا العربي الفلسطيني، ورغم احترامه للمواثيق الدولية والمعاهدات فإنه لا يقبل أن يطأطىء لحكومات يمينية ويفرط بالمقدسات والحق والفلسطيني.
هذا وأكثر يتطلب حكومة ديناميكية ومجلس نواب رفيع المستوى الفكري بأعضائه، قادر على ترجمة الأقوال لأفعال والتناغم مع أي حكومة تلبي طموح الناس، وكل هذا يشكل داعما لتحقيق الصمود والقوة كي نخرج من تحدياتنا الداخلية والخارجية، وعقد صلح عام بين مختلف أطياف الشارع السياسي ليبقى الأردن كائناً حياً يتنفس أكسجين الحياة كما كان دوماً، ولو تعلم الجميع من كتاب الانضباطية العسكرية لرأينا كيف يخرج جيل مسؤولين يقاتلون عن الوطن وحق المواطن دون منّة ولا تعسف، الملك وضع لكم الخطة نظيفة مجدداً وعليكم الاضطلاع بمسؤولياتكم.
الرأي