عمون - توجد الفيروسات بأعداد فلكية في كل مكان على الأرض، من الغلاف الجوي إلى أعماق المحيطات. حتى أن كتلتها الحيوية تعادل حوالي 25 مليار إنسان، لكن الغريب، رغم وفرتها وغناها بالمغذيات، أنه لا توجد كائنات حية معروفة تستخدمها كغذاء.

وهناك عدد متزايد من الأدلة التي تشير إلى أن مجموعة واحدة على الأقل من الكائنات الحية قد تتغذى على الفيروسات وهي "الكائنات الأولية والكائنات المجهرية وحيدة الخلية".

حيث نشر باحثون في دورية "فرونتيرز إن مايكروبيولوجي Frontiers in Microbiology"، في 24 سبتمبر/أيلول 2020، أول دليل مقنع على أن مجموعتين من الكائنات البحرية الأولية المهمة بيئيا، وهي القمعيات Choanozoa والبيكوزوا picozoa، وهما من أكلة الفيروسات، وتصطادان الفرائس من خلال عملية الابتلاع.

مفاجأة كبيرة
الدكتور راموناس ستيبانوسكاس، هو قائد الدراسة ومدير مركز علم الجينوم ذي الخلية الواحدة في مختبر بيجلو لعلوم المحيطات في ولاية مين الأميركية Bigelow Laboratory for Ocean Sciences in Maine.

يقول ستيبانوسكاس "تُظهر بياناتنا أن العديد من خلايا الطلائعيات تحتوي على جينات الحمض النووي لمجموعة واسعة من الفيروسات غير المعدية وليس البكتيريا، وهو دليل قوي على أنها تتغذى على الفيروسات بدلا من البكتيريا. وقد جاء ذلك بمثابة مفاجأة كبيرة".

ويضيف أن هذه النتائج تتعارض مع الآراء السائدة حول دور الفيروسات والطلائعيات الأوليات في شبكات الغذاء البحرية.

وإذا صحت نتائج الدراسة فستنقلب عقيدة عمرها قرون رأسا على عقب، فبدلا من اعتبار الفيروسات عوامل مسببة للأمراض فقط إلى اعتبار أنها تلعب دورا في تأجيج الحياة والحفاظ عليها.

تقول جوليا براون، عالمة الأحياء الدقيقة في مختبر بيجلو والمؤلفة الأولى للدراسة، في البيان الصحفي المنشور على موقع "يوريك ألرت Eurek Alert" العلمي "الفيروسات غنية بالفوسفور والنتروجين، ويمكن أن تكون مكملا جيدا لنظام غذائي غني بالكربون". كما "قد تؤدي إزالة الفيروسات من الماء إلى تقليل عدد الفيروسات المتاحة لإصابة الكائنات الحية الأخرى".

جمع العينات وتحليلها
بدأ راموناس ستيبانوسكاس وزملاؤه هذا المشروع البحثي منذ أكثر من عقد. كانوا يعتزمون في البداية دراسة تفضيلات الطلائعيات البحرية للفرائس التي يتغذى العديد منها على البكتيريا، إلا أن النتائج فاجأتهم.

أخذت عينات من مياه البحر السطحية، وشملت 1698 فردا من الطلائعيات، من شمال غرب المحيط الأطلسي في خليج مين بالولايات المتحدة في 2009، والبحر الأبيض المتوسط قبالة كتالونيا بإسبانيا في 2016.

قام ستيبانوسكاس وزملاؤه بعد ذلك بتقسيم الخلايا وتحليل محتوياتها. واستنتج الفريق أن أي مادة وراثية تختلف عن المادة الوراثية للطلائعيات ربما هي علامة على شيء أكلته.

وبعد جولات متكررة من التحليل، فوجئ الباحثون عندما اكتشفوا أنه لم يكن هناك الكثير من المواد البكتيرية المتوقع العثور عليها. بدلا من ذلك، كانت هناك فيروسات من جميع الأشكال والأحجام. حتى أنه تم العثور على جينات فيروسية في خلايا جميع الطلائعيات من مجموعتي القمعيات والبيكوزا.

تقول جوليا براون، إنه كان اكتشافا غريبا. ورغم أنه منذ تسعينيات القرن الماضي يفترض الباحثون أن بعض الأنواع الأولية قد تكون قادرة على استخدام الفيروسات كغذاء فإن هذا البحث لم يحظ باهتمام كبير بعد ذلك.

قضية الاستهلاك الفيروسي
مع ذلك، فإن العثور على مادة وراثية فيروسية داخل الخلية أو حولها لا يضمن أن الفيروس كان يوما ما غذاء. على سبيل المثال، قد تكون بعض الفيروسات قد أصابت الطلائعيات أو ببساطة عالقة في أسطح الخلايا.

غير أن الدكتورة براون تقول إنه "من المستبعد جدا أن تكون هذه الفيروسات قادرة على إصابة جميع الطلائعيات التي وجدت فيها".

تقول ريكا أندرسون، عالمة البيئة الميكروبية في كلية كارلتون في مينيسوتا Carleton College، والتي لم تشارك في الدراسة، في تقرير منشور بصحيفة نيويورك تايمز New York Times إن "الدراسة الجديدة وحدها لا يمكنها أن تثبت العلاقة الاستهلاكية بين الطلائعيات والفيروسات".

ولكن تم العثور على الطلائعيات في مجموعة محيرة للعقل من الموائل، مثل جذوع الأشجار المتعفنة وأحشاء الحيوانات، وربما تكون قد طورت على الأقل العديد من الإستراتيجيات لإطعام نفسها". "إنها نوعا ما تأكل كل شيء، لن أتفاجأ إذا كانت تتغذى على الفيروسات".

ويقول كل من الدكتور ستيبانوسكاس والدكتورة براون إن بعض أنواع الفيروسات وجدت فقط في مجموعات معينة من الطلائعيات، ملمحين إلى أن ذلك لم يكن مجرد مصادفة.

وإذا اتضح بالفعل أن الفيروسات هي غذاء الطلائعيات، فلا يزال من غير الواضح ما إذا كانت تعتمد عليها كجزء من نظام غذائي متنوع أم أنها تتغذى عليها حصريا.

المصدر : الصحافة الأميركية