الحالة الوبائية بين الحكم الشرعي والخطاب الشعبوي
د. محمد العايدي
25-09-2020 05:40 PM
مازلنا نسمع التضارب في مواقف الناس في اغلاق المساجد وفتحها وفي تصورهم عن الوباء المستجد وهل هو حقيقة ام مبالغ فيه وهل هي قضية سياسية تستغل من الساسة ام انها قضية طبيعة عالمية بامتياز ؟
كل هذه الاسئلة وغيرها هي حديث الشارع اليوم ومع اتخاذ وزارة الاوقاف قرار ايقاف فتح المساجد مؤقتا للوضع الوبائي الخطير والذي شهدنا حالة تزايد له بل شبه انفلات من مقاييس الضبط الصحي في الاردن في ظل استهتار الناس في ادراك الحالة الخطرة التي يمر بها العالم على وجه العموم والاردن على وجه الخصوص فانه من المهم اليوم ان نقول لكل الذين يشككون بالحالة الوبائية الخطرة ويدلون بآرائهم في المسألة بل كل واحد منهم يريد ان يفرض رأيه في حل القضية متجاوزين أهل الاختصاص في مواقعهم متناسين انهم بهذه الشعبوية غير المنضبطة والتدخل المباشر الذي يثير ويعيق عمل الفرق المختصة في مواقعهم نقول لهم اتقوا الله في حالكم واولادكم واهليكم وفي هذا البلد الطيب من الدخول لا قدرة الله في حالة الفوضى الصحية التي ستنعكس سلبا على المواطن ومما قيل: ( الجاهل عدو نفسه) فما نجحت الشعوب والحكومات الاخرى المتقدمة في السيطرة على الوباء الا بوعي شعوبها مدركين ان الدخول في المهاترات والجدالات العقيمة سيؤدي الى كوارث صحية واقتصادية على بلدانهم ونقول للذين يشككون في الاجراءات الصحية والدينية وهم ليسوا اصحاب اختصاص وحتى لو كان الواحد منهم مختصا خاصة في امور الدين عليكم ان تولوا الامر اهله فما يصدر من احكام وقرارات في الحالة العامة من اغلاق او فتح لبعض المؤسسات واغلاق البعض فالامر ليس اعتباطا او مؤامرة كما يظن البعض الاخر او تجاهلا او استخفافا بالمساجد او ببعض القطاعات التجارية والاقتصادية بل هناك موازنات بين كل هذه الامور.
وقد يسال البعض لماذا المساجد تغلق دون بقية القطاعات؟
الصحيح ليس المساجد وحدها من اتخذ قرار اغلاقه بل المدارس ايضا اغلقت والمطاعم ومحل التجمعات الاخرى اغلقت .
واما المولات والمحلات التجارية فنقول لهذا السائل: ١-تصور ان هذه القطاعات اغلقت انظر الى الضرر وحالة الهلع للحصول عليها وقد راينا سابقا ماذا فعل بعض المواطنين للحصول على المواد الاساسية من المحال التجارية وكيف ضاق الامر بالناس ذرعا وكانوا يصرخون مطالبين الحكومة بفتحها واليوم هم انفسهم يصرخون مطالبين الحكومة باغلاقها أسوة بالمساجد .
٢-ثم اغلاق مصادر الرزق للناس يترتب عليه مفسدة كبيرة لحياة الناس ومعاشهم ولكن الاغلاق المؤقت للمساجد لا يترتب عليه هذا الامر هذا سيدنا عمر اوقف حد السرقة في عام المجاعة مؤقتا ولم يعتبر هذا العمل مخالفا للدين بل اثنى عليه العلماء من بعد واعتبروه عبقرية وفقها لسيدنا عمر.
٣- ثم المحال التجارية والمولات والمصانع يمكن ضبطها ويمنع الدخول اليها الا من اخذ باجراءات الوقاية باعتبارها مؤسسات خاصة يعاقب اصحابها في حالة المخالفة للقوانين و اما المساجد والمدارس يصعب السيطرة عليها وضبطها ولذلك اغلقت احترازا من هذا الامر وقد رايت بعد ان فتحت المساجد سابقا الكثير منها ممن دخلتها لم يلتزم الناس بالاجراءات الوقائية معتبرين انها مؤامرة وبعض الائمة ايضا لم يلتزموا بهذا الامر باعتباره يخالف الشريعة وبعضهم لا يستطيع ان يلزم المصلين الا من باب الارشاد والترجي بالطلب وكثير من المصلين لا يستجيبون.
ثم لا يستطيع المسؤول عن ادارة هذا الملف ان يشرح لكل مواطن الاجراءات والمتغيرات المتسارعة التي تحدث كل ساعة بل على المواطن في مثل هذه الظروف ان يكون اكثر وعيا وان يساعد اصحاب القرار والمختصين ان يعملوا بهدوء وبدون ضغط شعبي غير مسؤول قد يؤثر على دقة القرارت التي يمكن ان تتخذ في هذه الحالات وان الذين يطالبون في كل يوم بفتح المساجد فنقول لهم : نشكر لكم غيرتكم وحرصكم على اداء الصلوات في بيوت الله وعمارتها ولكن الامر ليس اختياريا حتى وزير الاوقاف ليس هو من يغلقها باختياره وانما هناك قواعد شرعية هي التي يجب ان ينقاد وينساق لها كل العلماء والمفتين في المؤسسات الدينية لان هذا شرع فاذا اتخذ وزير الاوقاف قرارا باغلاق المساجد فهو بناء على نظر فقهي اصولي وشرعي مبني على عدة ادلة شرعية يعرفها اهل الاختصاص فهو مجبر منقاد لحكم الله ورسوله في المسألة وهو لا يقرر ذلك الا بناء على نظر فقهي وهو المسؤول الاول عن هذا القرار واذا قرر فتح المساجد فليس بالهوى والتشهي وليس قرارا اداريا بحتا وان كان مبنيا على قرار اداري فهو يوازن بين الامور بعد استعراض الادلة الشرعية فان رأى ان الحكم الشرعي الذي خلص اليه بوجوب فتح المساجد يحرم عليه اغلاقها وان راى ان الحكم الذي توصل اليه بعد النظر في قواعد الشريعة اغلاق المساجد حرم عليه فتحها هذه المعادلة والموازنة لا يعرفها من هم ليسوا من اهل الاختصاص وحتى اهل الاختصاص لا يحيطون بتفاصيلها لانهم غير مطلعين على ابعادها كوزير الاوقاف المعنى بالدرجة الاولى في هذا الامر لان التقارير الصحية والطبية وغيرها تصله اولا باول فهم اقدر الناس على اتخاذ الحكم الاقرب للصواب من غيره بحكم موقعه وعليه فعلى المواطنين الغيورين على دينهم ووطنهم ان يدركوا تماما هذه المعادلة وانها ليس قرارا اداريا بالنسبة لوزير الاوقاف بل هي ايضا حكما شرعيا يحتاج الى الموازنة الدقيقة بين الاحكام الادارية والشرعية ليستخلص قرارا في فتح او اغلاق المساجد واخيرا نقول كفى للمستهترين بارواح الناس بحجة الغيرة على المساجد بدون علم كفى للذين يصطادون بالماء العكر ونقول للنواب المترشحين للمجالس النيابية لا تلعبوا بهذه الورقة من اجل كسب اصوات الناخبين واستعطافهم فمصلحة الوطن والمواطن فوق كل الاعتبارات الاخرى ونحن نهيب بوزير الاوقاف ان يتخذ ما يراه مناسبا بناء على حكم الشرع وما يصله من تقارير وتوصيات طبية يقرر عليها وبعد الموازنة بينها فيما هو القرار حتى لو اغلقت المساجد سنة او سنتين الاولوية لارواح الناس والصلاة معذور فيها الناس في المساجد وكل الارض جعلت مسجدا وطهورا كما هو مقرر في الشرع وحياة الناس وحفظ الانفس مقدم على الصلاة في المساجد وهذه ليست اول مرة في التاريخ تغلق فيها المساجد بسبب الاوبئة والامراض هناك عشرات المرات التي قرر فيها العلماء في زمانهم اغلاقها لاسباب المرض او الخوف على ارواح الناس من الحروب وغيرها استعرضوا التاريخ وستجدون هذا الامر جليا وان كنا نحن في هذا العصر للمرة الاولى التي نتعرض فيها لهذا الامر ولذلك يستهجنه البعض قال تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) وأهل الذكر ليس فقط من عنده علم شرعي بل المحيط بالمسألة من كل جوانبها المدرك لأبعادها واخيرا نسال الله ان يحفظ هذا البلد امنا مطمئنا وسائر البلاد في العالم كله .