المال والإعلام والوضع العربي الجديد ..
عبد الرحمن الراشد
18-03-2010 03:26 AM
غيب الموت الأسبوع الماضي واحدا من أهم الشخصيات الفاعلة في الإعلام العربي من وراء الستار، أنطوان شويري.
شويري كان قيصر سوق الإعلان في المنطقة، بمهنية عالية عزز مؤسسات إعلامية كبرى، ومن دونه أخفقت مؤسسات أخرى.
وعلى الرغم من نجاحاته فإن هناك حقيقة مؤسفة، فالمرحوم أنطوان رغم نجاحه كان هدفا للإشاعات وسلسلة من الروايات التي لا صحة لها. أسيء إلى صورته ظلما، وشوهت بترويج أقاويل من آخرين مصدرها الجهل، أو الفشل، أو المنافسة الرديئة. أول مرة التقيته كانت في اجتماع لشركات الإعلان الكبرى في أواخر الثمانينات، كان دعا إليه في لندن حينها المرحوم هشام حافظ ناشر «الشرق الأوسط». ولأن مجموعة «الشرق الأوسط» هي الأكبر والأقوى في سوق الصحف والمجلات فكان من الطبيعي أن تكون هي المؤثرة في السوق الإعلانية أيضا. ودور الإعلان مهم للغاية في إنجاح الصحافة أو إخفاقها، المؤسسات التي تقوم على أسس تجارية إعلامية صحيحة بخلاف كثير من المؤسسات الفردية وأخرى حكومية تبخرت بغياب الممولين أو ظهور ممولين أكبر وأغنى.
شويري، صاحب أكبر مجموعة إعلانية، كان الأكثر رغبة في إطار يوسع السوق، وكانت فكرته الارتقاء بالإعلان لأجل الإعلام، وكانت نصيحته تضخيم مداخيل الإعلان، حتى يمكن للعرب أن يقدموا أعمالا إعلامية كبيرة. دعوته كانت مقنعة، إلا أنها تهاوت مع التنافس غير المنظم، والشك المهيمن على السوق. كرر فكرته قبل خمس سنوات باللغة نفسها في إطار تعاون دفع به الشيخ وليد البراهيم رئيس مجلس إدارة الـ«إم بي سي»، لكن بمقياس أكبر، لجمع شركات الإعلام الكبرى التلفزيونية والمطبوعة، في سوق تصل إلى خمسة، وربما إلى عشرة، مليارات دولار. الهدف كان تحقيق ثورة لصالح كل الإعلام، بتصحيح الوضع الخاطئ، حيث لا تزال سوق الصحافة العربية، إلى اليوم، هي الأصغر في مداخيلها الإعلانية، رغم سرعة توسعها وضخامة حركتها التجارية، أصغر حتى من السوق الأفريقية الأقل في المداخيل. كان شويري ملما بتفاصيل السوق ومقارناتها الدولية، وحمل رؤية واضحة للمستقبل. من دون تمويل إعلاني قوي لن تكون هناك صحافة قوية ومؤثرة ونافعة، ورأيه أن التناحر على الإعلان سببه جهل وجشع. كان يشير إلى أن الصحف والمحطات وغيرها من الوسائل تتقاتل على كعكة صغيرة في حين أن السوق الإعلامية العربية تستحق أكبر بمرات وفق المقاييس الدولية للإعلان والسوق. لكن فوضى السوق وتخلفها لم يسمحا قطا لمشروع شويري أن ينجح رغم أنه ضرورة للإعلام العربي، الذي يمر اليوم بمرحلة مدهشة من التوسع والانتشار على كل المستويات. بدلا من ذلك شنت ضده حملات مستمرة من التشويه، وصدق هذه الحملات كثيرون لم يعرفوا الرجل أو يتعاملوا معه شخصيا. ومن تجربتي ومعرفتي ومن ممارسات مؤسساتية عريضة لا يمكن أن يقال في حق الرجل الذي غادرنا إلى ربه سوى أنه كان من أعظم من دعموا الإعلام العربي، ومن أكثر المتعاملين صدقا وأمانة، وفوق هذا كان أكثر النشطين في السوق سعة أفق ونظرة استراتيجية لصالح الجميع.
في الإعلام العربي كثير من التشويه وترويج الأكاذيب إلى درجة قتلت المواهب ودفنت الفرص وأدخلت أناسا لا علاقة لهم بالمهنة.
alrashed@asharqalawsat.com
الشرق الاوسط.