القدس .. إسلاماً ومسيحية في عين النار
محمد حسن التل
18-03-2010 03:10 AM
الهجمة المنظمة من قبل الصهاينة على القدس ودرّتها الأقصى التي نشهدها هذه الايام ، لم تأتً منفصلة عن سلسلة المحاولات المحمومة ، من قبل اليهود عبر التاريخ ، للسيطرة على هذه المدينة المقدسة ، تنفيذاً لخرافاتهم التوراتية ، ولن تكون الأخيرة: فهذا صراع أزلي محموم ، لن تكون له نهاية ، إلا بالقول الفصل ، بوعد الله عزّ وجل "وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا".
لقد استطاع اليهود ، تحقيق حلمهم الكبير ، بإقامة دولة لهم ، على أرض فلسطين وتوسعهم ، حتى بلغ احتلالهم ونفوذهم ، قناة السويس ومرتفعات الجولان ، وضربوا بقرارات مجلس الأمن ، عرض الحائط ، عندما جعلوا القدس عاصمة لهم ، وأقاموا المستوطنات على امتداد الأرض العربية في فلسطين.
وإذا كان واقع الحال ، وصل بالقدس والقضية الفلسطينية برمتها ، إلى ما وصل إليه ، نتيجة لتراكمات كثيرة: فإن الأمر اليوم ، بات يتطلب وقفة حقيقية صادقة ، من كل أصحاب القرار والفكر ، على امتداد الأمة الإسلامية ، لإيقاف النار اليهودية المسمومة ، التي باتت تقترب أكثر ، من أساسات المسجد الأقصى ، وكل المقدسات الإسلامية ، وحتى المسيحية ، على أرض فلسطين المنكوبة.
لقد نالت المقدسات المسيحية من اليهود ، جحوداً لا حدود له ، ولكن للأسف: فإن المسيحية الغربية ، تناست بل وتغاضت ، عن هذا الوضع الظالم ، في ظل سيطرة كاملة للصهيونية عليها ، وترك نصارى الشرق وحدهم ، في مواجهة الحقد اليهودي والخرافة التوراتية.
لقد تجاهل مسيحيو الغرب ، الجرائم الفظيعة ، التي ارتكبها الصهاينة بحق اخوانهم ، مسيحيي الشرق في فلسطين ، وتجاهلوا أيضاً ، تعرض المقدسات المسيحية ، للاعتداءات الوحشية.
إن الخطر الصهيوني ، لا يقتصر على مقدسات المسلمين ، بل إن مقدسات المسيحيين ، تعرضت كذلك إلى نفس الإهانة ، مما يؤكد ضرورة اللقاء والاتحاد ، في وجه الكارثة ، التي اجتاحت مقدسات المسلمين والمسيحيين في فلسطين.
بعد ان كان الإسلام ، قد حرر فلسطين من ظلمة الاستعمار الروماني ، وهو الذي أعطاها بعداً جديداً ، عندما جعلها قاعدة من قواعد الإخاء الديني ، وحمى مقدسات كل الأديان ، وأباح لغير المسلمين أن يمارسوا عباداتهم ، ويحجوا إلى مقدساتهم ، يأتي اليوم اليهود ، ليهدموا بهمجيتهم كل ما بناه الإسلام ، من تفاهم بين الأديان السماوية ، ليدوسوا بحقدهم على كل ما هو خارج خريطتهم التوراتية ، التي لا علاقة لها بأنبياء الله ، من بني إسرائيل عليهم السلام ، بل هي خرافات وأساطير ، لا وجود لها ، إلا في عقول حاخاماتهم العفنة ، الممتلئة بالحقد على كل البشر.
إن القدس اليوم ، أمام واقع جديد ومخطط خطير ، في ظل العلو الكبير لليهود ، وسيطرتهم على عقول أصحاب القرار في الغرب ، صاحب الحل والعقد ، في ظل انحسارنا ، نحن العرب المسلمين ، وجلوسنا على مقاعد المتفرجين ، المقهورين والمغلوبين على أمرهم ، ولولا الجهد الاردني المتراكم والموقف الحازم بقيادة الملك عبدالله الثاني ، لقلنا ان الامة استسلمت للواقع المرير ، ولكن قطعاً هذه ليست النهاية: فالفرصة ما زالت قائمة أمامنا ، للملمة الجراح والتعالى على الصغائر ، وإعادة تنظيم الصفوف ، وإن بدا هذا الأمر تنظيراً للوهلةالأولى للبعض ، نذكر بتاريخ كل الأمم ، التي هزمت ، ثم نفضت عنها غبار الهزيمة ، واستعادت دورها واستردت كرامتها ، وانتقمت من أعدائها ، ندرك بالفعل أن الفرصة ما زالت متاحة أمام الأجيال ، لتعويض ما فات ، والكل يعلم أن الخير في هذه الأمة ، ماضْ إلى يوم الدين ، وأن ما حلَّ بأمتنا أيام الحروب الصليبية وغزو التتار ، أبشع بكثير مما تمر به اليوم.
القدس اليوم ، بحاجة إلى وقفة حقيقية ، بعيدة عن الخطابات وتعب الحناجر ، بحاجة إلى عمل عربي وإسلامي مشترك ، يؤسس لمرحلة جديدة ونوعية ، في الدفاع عنها ، أمام ما تتعرض له ، على أيدي اليهود ، الذين لا يراعون أمانة ، ولا اتفاقاً ، ولا وعهداً "كلما أوقدوا ناراً أطفأها فريق منهم".
وأخيراً ، صرخة للأشقاء المتناحرين في فلسطين ، سواء لأولئك المتمترسين ، في غزة هاشم ، ويتوهمون أنهم يحققون نصراً ، وأولئك الجالسين على مقاعد في الهواء في رام الله ويتوهمون أنهم يديرون دولة ، دولة بلا أرض ، وسلطة بلا حكم ، ليوحدوا صفوفهم خدمة لشعبهم ، ليكونوا السند لهذا الشعب وقضيته ، لا عبئاً عليه.
اليوم القدس - اسلاماً ومسيحية - في عين النار ، وعلينا جميعاً - حكاماً ومحكومين - أن نرتقي إلى مستوى الكارثة ، التي يدبر لها في أورقة دوائر الصهيونية ، بتآمر مشبوه مع أنصارهم في الغرب ، وأن نعظم نقاط الاتفاق ، وأن نتعالى على عوامل الفرقة ، لأن القدس ، بل وفلسطين كلها ، معرضة للالتهام ، من الثعلب اليهودي.
الدستور.