الدكتور إسحق والتنمر الالكتروني
د. محمود عبابنة
23-09-2020 02:34 PM
منذ أن هاجمنا فايروس كوفيد 19 انقلبت حياتنا رأساً على عقب، وأهم ما اصبحنا ننام ونستيقظ على وقعه أخبار الفايروس، وعدد الإصابات، وإجراءات الحظر والإغلاق، وأصبح موعد ظهور وزير الصحة والإعلام وبعض ذوي العلاقة هو الأكثر مشاهدةً ومتابعةً على شاشات التلفاز، ثم يتبعها مقابلات قناة المملكة ورؤيا من أصحاب الاختصاص، وأعضاء لجنة التصدي لوباء الكورونا، وقد سطع نجم بعض المسؤولين وأصبح لشعبيتهم باروميتر يرتفع وينخفض حسب الوقائع اليومية لواقع انتشار المرض، فبعد أن ارتفعت أسهم وزير الصحة وتنبأنا بشخصية طبية تتجه للعالمية ، انخفضت أسهمه نتيجة التقصير بحماية الثغور التي تسرب منها المصابون بالوباء.
من هؤلاء النجوم ولو بشكلٍ أقل ظهر اسم الدكتور عدنان اسحق (مساعد أمين عام وزارة الصحة وعضو لجنة مكافحة وباء الكورونا) وقد ظهر أكثر من مرة ووضح كثيراً من المسائل، وفي المقابلة الأخيرة له مع قناة المملكة خانه التعبير والمخيال، فضرب مثلاً يقصر عن ان يكون مثلاً علمياً ، وتحدث عن خروج ودخول الضبع في تشبيه له بدخول وخروج الفايروس، ولأن الضبع يعيش في خيالنا في قصص وروايات مترسخة في تراثنا الشعبي، فقد دعا ذلك الى أن تصبح قصته طرفة تروى وتُنقل، واستغل ذلك المتفرغون العاطلون عن العمل، فأمطروه بوابلٍ من الاستهزاء والازدراء، وتعرض الرجل لهذه السقطة اللغوية والتشبيه الضعيف الى تجريحٍ طال اسمه ومنزلته العلمية، ومحى كل الجهود التي كان يبذلها وعلى حد قوله " العمل ليلاً نهاراً" كعضو فاعل في لجنة مكافحة الاوبئة.
التنمر الإلكتروني الذي يوصف بأنه فعل متعمد يقوم به فرد او أفراد ويتكرر باستمرار ضد الضحية التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها ، والذي قد يتضمن ألفاظٌاً بذيئة وسخرية مقيتة، وتصيّداً لا يرحم، لمجرد كبوة او هفوة في القول او اتخاذ قرار او سلوك مسلكٍ ما،وهذا يستدعي مجابهته ليس من الضحية، بل ممن هم حوله او من زملائه او من المسؤول عنه، إلا أن ما حدث للدكتور الذي لا نعرفه إلا من خلال الشاشة، أنه تعرض في نهاية المطاف للضربة القاضية من وزيره ومسؤوليه، فبجرة قلم تم إعفاؤه من منصبه ونقله الى منصب آخر ، وكأن ذلك مباركةً لكل عبارات التنمر الإلكتروني التي لا ترحم، ونستطيع أن نتخيل مدى الألم والمعاناة النفسية التي وقع بها الدكتور إسحاق وأفراد عائلته.
ألم يكن بالإمكان تأجيل ذلك لمدة أسابيع واتخاذ القرار الذي تراه وزارته مناسباً؟! هل يمكن لسقطة لغوية وخيال مشوش واجتهاد في غير محله أن يطيح بكل هذه الجهود التي قام بها هذا الطبيب؟! هل هذه نهاية بطل شجاع؟! الكثيرون ممن تابعوا وربما ضحكوا وتندروا على قصة الضبع، بعد أن ذهبت السكرة وعادت الفكرة تضامنوا مع هذا المجتهد وتذكروا جهوده الدؤوبة في لجنته التي تعمل تحت إشراف مسؤوله الأول الذي سبق وأن أتحفنا بسقطة لغوية أخرى عندما قال "الفايروس نشف ومات"، ليست امريكا هي التي تقيس بمكيالين، بل نحن أيضاً نتفوق على ذلك ونقيس بعدة مكاييل، ولذلك ترى الظلم الوظيفي في بلدنا شعاراً تسعى له الإدارة بكل ما أوتيت من قوة.