اللحظة التي تركع فيها لهذه الحياة منهزماً وطالباً أن يعفى عنك وأن ينتهي اختبارك، فأنت أمام خيارين إما أن يعفى عنك فعلا أو أن يبقى الشقاء رفيقك للأبد. قد يتملكك الخذلان عندها وتنظر إلى أن الإنسحاب هو الحل وأن التخلي هو الخلاص فقدرك محتوم والأقدار لا تباع لتشترى. وعلى حافة الجرف حيث تختلط السماء والارض ها هنا عاد قلبك ينبض من جديد مستشعرا الحياة من حوله، فقد أبصر بعينيك جمال الكون، وأسمع أذنيك حِلْوَ الأصوات وجمال الصمت، رسم الإبتسامة على شفتيك بعد أن كنت قد هجرتها، والآن وبعد حين استطعت أن تتنفس الصعداء لتعيد الحياة لرئتيك مجدداً.
تجرأت أخيراً وقررت الإنسحاب استجمعت نفسك كي تصل الى خط النهاية وبداية خلاصك، مشيت بقدميك ملهوفاً للحظة الأخيرة وفتحت يديك وكفيك لترتمي بحضن الارض شاكياً لها همومك حاكياً لها ضعفك وخوفك وراوياً لها تعبك وقهرك.
قررت المغادرة لعل أحداً يسمع صوت أنينك ولعلك أنت تجد متنفسك.
قد تفتعل محطات الإعلام ضجة إعلامية لزيادة نسب المشاهدات بطرح قضيتك بإطار من التشويق والغموض كما سيتم فبركتها لجعلها مثيرة للجدل لعرضها تماماً كما يريد المشاهد اللاواعي، فمن المؤكد وبين مئات الأخبار والقضايا عن القتل والعنف والاغتصاب واللاجيئن حول العالم تكن أنت الأهم. الى جانب الفرصة التي ستعطى لمنافقي مواقع التواصل الاجتماعي ليكونوا أصحاب قضية وذو رأي وفكر معاصر جاهل، هذا وما إن يبلغوا عدد المشاهدات المستهدف ليعودوا إلى الترف المطلق حيث لا مكان لك عزيزي.
أما الآخرين سيذهبون لإحتساء القهوة مع الاصدقاء ووسط النفاق الاجتماعي قد يذكرونك لفتح موضوع لنقاش ليس أكثر مع رسم تعابير الحزن والتأثر لتنتهي قصتك وتفتح مواضيع أخرى يكن التكلم فيها أكثر مرحاً فهم لم يدفعوا ثمن قهوتهم بغية التكلم عن مثل تلك الأمور.
في الحقيقة لا أحد يهمه أمرك فمن سينشغل بالتفكير بقضيتك لأكثر من عدة دقائق، إن كان وجودك غير مهم وهو السبب الذي دفعك للإنسحاب من الأساس فكيف في غيابك ستتبدل الأحوال.
العالم فعلاً لا يتمحور حولك عزيزي فأقبل بذلك، وهروبك حقاً لن يجديك نفعاً.
هذا ومن الحماقة أن تظن أنك خلقت لتمشي على رمال جزر المالديف وتستلقي مستمتعاً بأشعة الشمس ونسيم البحر تحتسي الكوكتيل وسط محبيك، ومساءً تنتظر أن يأتونك بطبقك البحري المفضل المُعد تماماً كما تحب. شئت أم أبيت أنت هنا لتسعى للبقاء في هذه الدنيا التي لا تعجبك سواء كنت تسعى للبقاء كإنسان جيد أو سيء فليس مهماً، المهم أن الحياة لن تسمح لك بأن تكون واقفاً، لذلك يستحسن أن تكون فطناً وعداءً بارعاً فأنت في سباق مع الثعالب، فإما أن تطمح للوصول إلى خط النهاية وتطمع بأن تجعل الجميع خلفك أو سينتهي أمرك تحت الأقدام لأنه حتى السيئين الطموحين سيصلون. ولتدرك جيداً أن السباق سيزداد صعوبة فإما أن تكن طموحاً وذو إرادة أو سيبقى الحال كما هو، وأعلم بأنه لا وجود لدنيا ينتصر فيها المظلوم على الظالم والخير على الشر دائماً، حتى الأفلام لم تعد تصور الشرير على أنه إنسان سيء.
لذلك لاتخف من الغرق في هذا العالم فرميك في المياه هو أول درس لتعلمك السباحة.
المهم أن تعلم ماذا تريد حقاً وهو ليس بالأمر السهل، فالأمر يتطلب منك دخول صراع بين ما تم تلقينه لك لتكن هكذا الآن وبين حقيقتك. محاولة خروجك من عملية غسيل الدماغ المكثفة هذه والمستمرة لن يكن مرهقاً ومتعباً فقط، بل في قمة الألم حيث أنك ستسلخ الجلد الذي أجبرت على لبسه. كما ستضطر لكسر العديد من القوالب المجتمعية، وستدخل بعدة صدمات والتباسات بين ما كنت تظنه صحيحاً وفي الحقيقة هو خطأ، وبين ما أمضيت سنيين من عمرك الذي لن يعوض تسعى لتحقيقه وعند تحقيقه أيقنت أن هذا ليس ما تريد، وبين وهمك بأن الوصول إلى الضوء الابيض في نهاية الطريق هو السعادة وما إن وصلت حتى أدركت أنك خسرت الكثير من لحظات السعادة. ستتيقن أن الأهداف هي عبارة عن دوافع متجددة رغبة منا للوصول إلى الإكتفاء الذاتي.
ولا تنتظر....
ماذا تنتظر من مجتمع بنى حدوداً للحب ووضع الحب بقوالب مجتمعية حتى الأحبة تم حصرهم في صناديق.
مجتمع جعل من كتب التاريخ مصدراً لتغذية حقده وضغينته وتعصبه الفكري، وكأنما كتب التاريخ وجدت لتوسع الفجوة بين الامم. جعلت من كتب التاريخ سبباً في تشكيل جيوش منشقة متمردة تطالب بالإنتقام وتنادي بالكره لعدو مصطنع، والمضحك المبكي ينادون بحقوقهم بعنجهية لبناء أسوار تشعل فتيل العنصرية.
ماذا تنتظر من مجتمعات جهلت الدين همهم الوحيد عدم الوقوع في المحرمات وتقديس رموز دينية صيغت لهم كأنهم أبطال واكتفوا بالتصديق بدلاً من البحث، قاموا بتأدية العبادات على أكمل وجه من غير فهم مغزاها، ذهبوا إلى دور العبادة بنفاقهم وطمعهم وحقدهم ونسوا أن الركوع للرب يتطلب منك ان تكون مؤمناً وخاشعاً وتائباً وطالباً وقنوعاً ومحباً وأن العبادة من دونهم لن تدخلهم الجنة ولو فنوا عمراً يمارسونها. مجتمعات لم تدرك بعد أن الرب لا يبحث عمن يجعل منه سَجَّاناً، ولا يقبل إلا المؤمن المتدبّر لا عبيد "ما وجدنا عليه آباؤنا"، مجتمعات حتى الدعاة الشيوخ مازالوا غير مدركين بأنهم يخاطبون أجيالا ذو فكر متمرد متعطشين للحرية ولا يرون مبررا لعدم الوقوع في الخطأ وفضولهم للخطيئة قد وصل إلى القمة ومع ذلك هم ليسوا بمرتدين ولا بملحدين.
فلا تهرب يا عزيزي ولتعيش في كذبة بأنك منهم، ولتكمل حياتك متظاهراً بأنك قد صدقت، ولترى السطح وتتظاهر بأنك قد أكتفيت، ونم سعيداً بعمق كأنك تملك كل شي وأن الغد يحمل معه ما هو أكثر مما فقدته. ولكن لتتعلم عزيزي قرأة الوجوه كما لو أنك تقرأ كتاباً، واقرأ بتمعن ما بين السطور وما خلف النوايا لأنك وقتها سوف تمتلك كل شيء حقاً، فلن يستطع أن يكذب عليك أحد، ولن يستطع أحد بأن يتظاهر بأنه أفضل منك أو أحسن، وبذلك لن تسمح لهم بأن يشعروك بالعجز فأنت ترى بعمقٍ الآن وتعلم بالقبح المخبأ خلف وجوههم.
تظاهر بأنك مثلهم وكن غريباً بالحقيقة وابتسم.